الجمعة والسعي إلى «ذكر الله» وأداء الفريضة وترك البيع ، وكلمة «كم» حرف خطاب إلى المكلّفين ، والكلمتان قد تتّفقان وقد تختلفان في الوحدة والتعدّد والتذكير والتأنيث ، فيكون المشار إليه واحدا ، والمخاطب متعدّدا ، وبالعكس ، إلى غير ذلك من الصور ، ويعرف هذا بباب المخاطبة ، وأمّا أنّ ذلك خير ، فلأنّ منافع الآخرة أهمّ في نظر العقلاء من منافع الدنيا ، لأنّ ما يتعلّق بالآخرة باق دائم ، بخلاف ما يتعلّق بالدنيا ، ولذا قال الله : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ) (١) إلى آخره.
وفي بعض خطب عليّ عليه السلام : أيّها الناس ، انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها ، الصادفين عنها ، فإنّها والله عمّا قليل تزيل الثاوي الساكن ، وتفجع المترقّب الآمن ، لا يرجع ما تولّى منها فأدبر ، ولا يدني ما هو آت منها فينتظر ، سرورها مشوب بالحزن ، وجلد الرجال فيها إلى الضعف والوهن ، فلا يغرّنّكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلّة ما يصحبكم منها ، رحم الله امرأ تفكّر فاعتبر ، واعتبر فأبصر ، وكأنّ ما هو كائن في الدنيا لم يكن ، وكأنّ ما هو كائن من الآخرة عمّا قليل لم يزل ، فكلّ معدود منقض ، وكلّ متوقّع آت ، وكلّ آت قريب دان (٢). انتهى.
قوله : (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لا يقال : إنّ ما هو في نفس الأمر خير نافع فهو خير مطلقا سواء علم به أو لم يعلم ، فإنّ العلم والجهل لا يؤثّران في حقيقة الشيء وخاصيّته ، فما معنى التعليق الّذي مفهومه عدم كونه خيرا مع الجهل؟
__________________
(١) النحل : ٩٦.
(٢) إرشاد القلوب ١ : ٣٤ ، نهج البلاغة : ١٤٨.