قال بعضهم : ومن الألطاف بعث الأنبياء ونصب الأولياء للاحتياج إليهم في انتظام المعاش لحصول الاجتماع المضطرّ إليه في بقاء النوع ؛ المستلزم لوقوع الفساد من غلبة دواعي الحسّ ، فيقع الهرج والمرج ولا ينحسم ذلك إلّا بقانون يفيد قطع المنازعات بشارع متأيّد بالآيات القاهرة ، ليحصل الانقياد الموجب للانتظام. انتهى.
وخالف الأشعريّ فذهب إلى أنّ اللطف لا يجب على الله ؛ إذ العقل لا يحكم بوجوب شيء عليه ، فما يصدر عنه تعالى من هذه الأفعال فهو على سبيل التفضّل ، وظاهر الآية وإن كان يساعده إلّا أنّ في الكلام في الردّ عليه محلّا آخر.
ومعنى «يؤتيه» يعطيه ، وعطيّته لا تكون إلّا لمن له قابليّة واستعداد ، والله لا يعطي إلّا مع المصلحة ، ولا مصلحة قطعا في إعطاء من لا يستعد ، ولا تتعلّق مشيّته تعالى بإعطاء من لا يستحق العطيّة ومن لا تصلح له.
وفي «حقائق القرآن» بعد ذكر هذه الآية ... قال الحسين : جاد الجواد بجوده لغير علّة وتفضّل بالتفضيل ؛ وتمّمه بالمنن ، وغشّاه بالنعم ؛ إذ يقول (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) فقطع بالمشيّة ومحق الأسباب فكان الكرم منه صرفا لا تمازجه العلل ، ولا تكتسبه الحيل ، جاد به في الدهور قبل إظهار الأمور إلى معرفته ومحبّته والاستقامة فيهما بنعت العبوديّة في مشاهدة الربوبيّة ، يؤتي هذا الفضل من يشاء من عباده المصطفين في الأزل.
قال الجوزجانيّ : ذلك الفضل هو الأنس بالله ؛ إذا وجدوا نعمة الأنس نسوا كلّ نعمة دونه ، وهو قوله (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) انتهى. فتأمّل.