ان نظرة الاعجاب هذه ، التي نظر بها الفارابي ، وقبله الكندي ، وبعده ابن سينا وابن رشد وسواهم من فلاسفة العرب ، إلي الفلسفة اليونانية هي السبب الرئيس في ما وقعوا فيه من أخطاء ، وفي ضآلة حضهم من الاصالة والابداع. ولو نظروا نظرة نقدية الي تلك الفلسفة علي نحو ما فعل المعتزلة والأشاعرة امثال الجاحظ والغزالي ، لنجوا من اقتراف مثل خطأ الفارابي ، ولجاء نتاجهم أكثر أصالة وابداعاً.
والسبب الثاني في غلطة الفارابي هو كتاب الربوبية المعروف بأثالوجيا. وهذا الكتاب قسم من تساعيات أفلوطين التي ترجمها عبد المسيح بن ناعمة الحمصي الي العربية ونسبها خطأ الي ارسطو.
قرأ الفارابي هذا الكتاب واعجب به واعتبره احد مؤلفات ارسطو ، وبما ان افلوطين تأثر كثيراً بافلاطون واورد الكثير من آرائه في فلسفته لذا اعتقد الفارابي أن ما يقوله ارسطو في هذا الكتاب لا يخالف ما قاله افلاطون.
وقد اعتمد الفارابي علي كتاب الربوبية لاثبات عدم الاختلاف بين الرجلين في مسألتين هامتين تباينا فيهما كل التباين هما مسألة قدم العالم وحدوثه ، ومسألة المثل. يقول في سياق حديثه عن المسألة الأولي : «ومن نظر في اقاويله في الربوبية في الكتاب المعروف باثالوجيا ، لم يشبه عليه أمره في اثبات الصانع المبدع لهذا العالم ... فان الامر في تلك الأقاويل أظهر من ان يخفي. وهناك تبين ان الهيولي ابدعها الباري جل ثناؤه لا عن شيء ، وانها تجسمت عن الباري سبحانه وعن ارادته ، ثم ترتبت».