وقال عتبة وشيبة وأبو سفيان : نرحل بعيراً صعباً ونوثق محمداً عليه كتافاً وشدّاً ، ثم نقصع (١) البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك (٢) إرباً إرباً.
فقال أبو جهل : أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً نجداً (٣) ، وتأتونه بياتاً ، فيذهب دمه في قبائل قريش جميعها ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطّلب مناهضة قريش فيه فيرضون بالعقل.
فقال أبو مرّة : أحسنت يا أبا الحكم ، هذا الرأي فلا نعدلنّ له رأياً ، فأنزل الله سبحانه : ( يَمكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثبِتُوكَ أَو يَقتُلُوكَ أَو يُخرِجُوكَ ) (٤) الآية ، فهبط جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال : لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ، فدعا عليّاً عليهالسلام ، فقال : إنّ الله سبحانه أوحى إليّ أن أهجر دار قومي ، وأن أنطلق إلى غار ثور أطحل (٥) ليلتي هذه ، وأمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ، وأن ألقي عليك شبهي.
فقال أمير المؤمنين عليهالسلام : أو تسلم بمبيتي هناك؟
قال صلىاللهعليهوآله : نعم.
فتبسّم أمير المؤمنين ضاحكاً ، وأهوى إلى الارض ساجداً ، فكان أوّل من سجد لله شكراً ، وأوّل من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته ، فلمّا رفع رأسه
____________
١ ـ أي نجرحه بأطراف الرماح حتى يغضب.
٢ ـ جمع الدكداك : وهو أرض فيها غلظ.
٣ ـ النجد : الشجاع الماضي فيما يعجز عنه غيره.
٤ ـ سورة الأنفال : ٣٠.
٥ ـ الطُحلَة ـ بالضم ـ : لون بين الغُبرة والسواد ببياض قليل. « القاموس المحيط : ٤ / ٦ ـ طحل ـ ».