يؤكّد هذه الطريقة المألوفة والعادة المستمرّة بين النّاس من الحداد على الميّت أربعين يوماً ، فإذا كان يوم الأربعين اُقيم على قبره الاحتفال بتأبينه يحضره أقاربه وخاصّته وأصدقاؤه ، وهذه العادة لَم يختصّ بها المسلمون ، فإنّ النّصارى يقيمون حفلة تأبينيّة يوم الأربعين من وفاة فقيدهم يجتمعون في الكنيسة ويعيدون الصلاة عليه المسمّاة عندهم بصلاة الجنازة ويفعلون ذلك في نصف السّنة وعند تمامها ، واليهود يعيدون الحداد على فقيدهم بعد مرور ثلاثين يوماً وبمرور تسعة أشهُر وعند تمام السّنة (١) ، كلّ ذلك إعادةً لذكراه ، وتنويهاً به وبآثاره وأعماله إنْ كان من العظماء ذوي الآثار والمآثر.
وعلى كلّ حال ، فإنّ المنقّب لا يجد في الفئة الموصوفة بالإصلاح رجلاً اكتنفته المآثر بكلّ معانيها ، وكانت حياته وحديث نهضته وكارثة قتله دعوةً إلهيّة ، ودروساً إصلاحيّة ، وأنظمة اجتماعيّة ، وتعاليم أخلاقيّة ، ومواعظ دينيّة ، إلاّ سيّد شباب أهل الجنّة شهيد الدِّين ، شهيد السّلام والوئام ، شهيد الأخلاق والتهذيب الحسين (ع) ، فهو أولى من كلّ أحد بأنْ تُقام له الذكريات في كلّ مكان ، وتشدّ الرحال للمثول حول مرقده الأقدس في يوم الأربعين من قتله ؛ حصولاً على تلكم الغايات الكريمة.
وإنّما قصروا الحفلات الأربعينيّة الأول في سائر النّاس من جهة كون مزايا اُولئك الرجال محدودة منقطعة الآخر ، بخلاف سيّد الشهداء ، فإنّ مزاياه لا تُحَدّ ، وفواضله لا تُعَدّ ، ودرس أحواله جديد كلما ذُكر ، واقتصاص أثره يحتاجه كلّ جيل ، فإقامة المآتم عند قبره في الأربعين من كلّ سنة إحياءٌ لنهضته وتعريفٌ بالقساوة التي ارتكبها الاُمويّون ولفيفهم ، ومهما أمعن الخطيب أو الشاعر في قضيّته تفتح له أبواب من الفضيلة كانت موصدة عليه قبل ذلك ؛
ولهذا اطّردت عادة الشيعة على تجديد العهد بتلكم الأحوال يوم الأربعين من كلّ سنة ، ولعلّ رواية أبي جعفر الباقر (ع) : «إنّ السّماء بكت على الحسين أربعين صباحاً تطلع حمراء وتغرب حمراء» (٢) تلميح إلى هذه العادة المألوفة بين النّاس.
__________________
(١) نهر الذهب في تاريخ حلب ١ ص ٦٣ : ٢٦٧.
(٢) كامل الزيارات ص ٩٠ الباب الثامن والعشورن.