المشيّة فيه مذكورة ، بل كانت مذكورة في جميع الأحيان ، قبل كلّ شيء ، وبعد كلّ شيء ، ومع كلّ شيء ، وفي كلّ شيء بذكر مناسب لمقامها في تطوّراتها وتظهّراتها وترقّياتها ، وسمّاها بـ «الإنسان» لأنسها بالحقّ ، وكمال قربها منه ، بجهتها العليا التي هي جهة التوحيد ، ألا ترى كيف فسّر «الإنسان» في «سورة الرحمن» بمحمّد صلّى الله عليه وآله الّذي حقيقته حقيقة المشيّة الأزليّة وهويّته هويتها.
هذا إذا فسّرنا «هل» بما عرفت ، وأمّا لو جعلناها بمعنى «قد» التقريريّة ؛ كما هو المصرّح به في كلام جماعة من المفسّرين مدّعين عليه الاتّفاق ؛ كما في «سورة الغاشية» فليس المراد نفي شيئيّة المشيّة في حين من الدهر ، لما عرفت.
بل المراد نفي مذكوريّتها بالذكر العنصريّ الجسمانيّ ؛ كما في عصر محمّد صلّى الله عليه وآله الّذي برزت المشيّة فيه في هيكله صلّى الله عليه وآله بما هي عليه من الترقّيات والتعرّجات ؛ كما قال تعالى : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) ... (١) إلى آخره ، لا بالذكر الروحانيّ الأزليّ ، فإنّها كانت مذكورة في الأزل بما عرفت لا محالة ذكرا كثيرا بحيث سمّيت لأجل تلك الكثرة بـ «الذكر» كما لا يخفى.
هذا ما خطر على قلبي من تفسير الآية بإمداد حضرة الحقّ جلّ شأنه ؛ فاغتنمه وكن من الشاكرين.
وللناس في الآية تفاسير أخرى مع اتّفاقهم على أنّ «هل» بمعنى «قد».
__________________
(١) الشرح : ٤.