يُمكن ذلك في نبي الإسلام صلىاللهعليهوآله ؛ لأنَّ ذلك الاتِّجاه الفكري يعترف بالإسلام ، واعترافه هذا معناه الاعتراف بنزول الوحي على النبي صلىاللهعليهوآله في القرآن وغير القرآن ، ولا نعني مِن التسديد الإلهي إلاَّ ذلك. وإذا نفينا ذلك ، فمعناه نفي نزول الوحي على النبي صلىاللهعليهوآله ، بصفته قائداً دنيويَّاً كما يعتبرون ؛ إذاً ، فسوف يكون ذلك كفراً بالإسلام وخروجاً عنه ؛ وبالتالي فلا يُمكن أنْ يجتمع الإيمان بالإسلام مع افتراض أنْ يكون النبي صلىاللهعليهوآله قائداً دنيويَّاً غير مُسدَّد. ومِن الواضح أنَّ هذه الآية الكريمة ذكرها المُستدلُّ نازلة على النبي صلىاللهعليهوآله. ومعه فلابد من فهمها فهماً صحيحاً منسجماً مع سائر القواعد الاسلامية.
ومعه فاذا لم يثبت الوجه الذي ذكره المُستدلُّ للنبي صلىاللهعليهوآله ، فإنَّه لا يكون غيره أولى بذلك منه ، كما ذكره في الاستدلال.
الجواب الثاني : إنَّنا يُمكن أنْ نُناقش دلالة الآية على ذلك مِن عِدَّة وجوه :
الوجه الأوَّل : إنَّ الآية الكريمة بنفسها دالَّة على أنَّ هؤلاء الذين يكون النبي صلىاللهعليهوآله مأموراً بمُشاورتهم ، هُمْ أُناس واطئون مِن الناحية الثقافيَّة والإيمانيَّة ، ومِن الواضح أنَّ مُشاورة مثل هذه الطبقة لا تكون مُنتجة للنتائج العظيمة التي يتوخَّاها المُستدلُّ. ودلالتها على ذلك في عدد مِن فقراتها ـ كما سنرى ـ فإنَّه تعالى يقول : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (١).
فأوَّلاً : قوله : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ) ، يعني لولا هذه الرحمة المُتزايدة ، كما استحقاقهم هو الغضب عليهم وانتقاد تصرُّفاتهم والجزع مِن
__________________
(١) آل عمران أية ١٥٩.