إذاً ، فهذا الشعر إنّما قاله الشاعر
بعد أن سمعَ قول الخطباء : يا ليتنا كنّا معكم ، فأحبّ أن يكون هذا التمنّي صادراً
عن الحسين عليهالسلام
أيضاً ، إذاً فلا يكون لهذا الشعر قيمة إثبات تاريخيّة أكثر من هذه الجملة التي
يُكرّرها الخطباء.
الوجه
الثاني :
إنّ مثل هذا التمنّي لو كان صادراً عن الحسين عليهالسلام
أو محبّيه ، فإنّما يراد به تمنّي الاجتماع معنويّاً ـ كما سوف نذكر ـ لا ماديّاً
، أو تمنّي الاجتماع ماديّاً ومعنويّاً حتّى يتمّ الأمر ، وإلاّ فمن الواضح ـ كما
أسلفنا ـ أنّ الاجتماع المادّي في الزمان والمكان وحده لا يكفي.
وأمّا المعيّة المعنويّة : وهي الاتّحاد
في الهدف والمحبّة والإيمان ، فقد يُستشكل فيه من حيث إنّ (ليت) إنّما تأتي
للتمنّي المستحيل على ما هو المشهور كما أسلفنا ، ومن الواضح أنّ المعيّة
المعنويّة ليست مستحيلة ، بل بابها مفتوح لكلّ والج وواسع بسعة رحمة الله سبحانه ،
فينال منها كلّ فردٍ حسب استحقاقه ، فمن هنا ناسبَ أن تُستعمل (ليت) للمستحيل ، وهو
الكون المادّي معهم لا المعنوي.
وجواب
ذلك : إنّ اختصاص التمنّي بالمستحيل غير صحيح
تماماً وإن ذهبَ إليه المشهور ؛ وذلك لعدّة وجوه منها :
أوّلاً
: ما أشرنا إليه فيما سبق من أنّ تمنّي
المستحيل مستحيل ، إلاّ من المجانين ومَن خُولطوا في عقولهم ، أو إنّه يتحدّث
حديثاً مجازيّاً بعيداً عن الواقع تماماً ، كبيت الشعر الذي استشهدوا به (ألا ليتَ
الشباب يعود يوماً).
ثانياً
: إنّ التمنّي وأضرابه من موارد ما يسمّى
في علوم البلاغة بالإنشاء : كالاستفهام ، والترجّي ، وهي حالات نفسيّة وجدانيّة
محسوسة في النفس تختلف في معانيها ومداليلها ، فالترجّي المدلول عليه بالأداة (لعلّ)
إنّما يعني مجرّد الاحتمال كقولنا : لعلّ فلاناً عادَ من سفره ، أو لعلّي أُسافر
غداً.
وأمّا التمنّي فهو : إرادة حصول شيء في
المستقبل والرغبة فيه كقولنا :