تعالى لجميع المخلوقات ، وكُلّهم فيه شرعٌ سواء ، فأبى معاوية إلاّ التردِّي في الغواية والجهل ، فعندها قال أمير المؤمنين عليهالسلام : «اروُوا السّيوفَ مِنَ الدِّماءِ تَروَوا مِنَ الماءِ» (١). ثُمّ أمر أصحابه أنْ يحملوا على أهل الشام حملة واحدة ، فحمل الأشترُ والأشعثُ في سبعة عشر ألفاً ، والأشترُ يقول :
مِيعَادُنَا اليَومَ بَياضُ الصُبْحِ |
|
هَل يَصلُحُ الزَادُ بغَيرِ مِلحِ؟ |
والأشعث يقول :
لأورِدنَّ خَيلِيَ الفرَاتا |
|
شِعثَ النّواصِي أو يُقَالَ مَاتَا |
فلمّا أجلوهم أهلُ العراق عن الفرات ونزلوا عليه وملكوه ، أبى صاحب النّفسيّة المُقدّسة التي لا تعدوها أي مأثرة ، أنْ يسير على نهج عدوِّه حتّى أباح الماء لأعدائه ، ونادى بذلك في أصحابه (٢) ، ولم يدعه كرم النّفس أنْ يرتكب ما هو من سياسة الحرب من التضييق على العدوِّ بأيّ صورة.
هذه جملة من موارد السّقاية الصادرة من شرفاء سادةٍ ، مُتبوّئين على منصّات المجد والخطر ، مُتَّكئين على أرائك العزِّ والمنعة ، وما كانت تدعهم دماثةُ أخلاقهم وطهارةُ أعراقهم أنْ يكونوا خُلوّاً من هذه المكرُمة ؛ وقد افتخر بذلك عبدُ مناف على غيرهم.
وأنت إذا استشففت الخصوصيّات المكتنفة بكُلٍّ منها ، فإنّ الصراحة لا تدعك إلاّ أنْ تقول بتفاوت المراتب فيها من ناحية الفضيلة.
كما لا تجد منتدحاً عن تفضيل الحسين عليهالسلام على غيره يوم سقى
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٢ / ٣٥١.
(٢) المعيار والموازنة للاسكافي / ١٤٦ ، الفتوح لابن أعثم الكوفي ٣ / ٥.