قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

الدّرر النجفيّة [ ج ٣ ]

16/408
*

معاصيه ؛ لأنّه ظاهر العدل والنصفة والحكمة البالغة. بالغ الحجة بالإعذار والإنذار ، وإليه الصفوة يصطفي من عباده من يشاء لتبليغ رسالته واحتجاجه على عباده ، اصطفى محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعثه برسالاته إلى خلقه ، فقال من قال من كفّار قومه حسدا واستكبارا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (١) يعني بذلك اميّة بن أبي الصلت ، وأبا مسعود الثقفي ، فأبطل الله اختيارهم ولم يجز لهم آراءهم حيث يقول : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ) (٢).

ولذلك اختار من الامور ما أحبّ ، ونهى عمّا كره ، فمن أطاعه أثابه ، ومن عصاه عاقبه ولو فوض اختيار أمره إلى عباده لأجاز لقريش اختيار اميّة بن أبي الصلت وأبي مسعود الثقفي ؛ إذ كانا عندهم أفضل من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فلهذا أدّب الله المؤمنين بقوله (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣) ، فلم يجز لهم الاختيار بأهوائهم ، ولم يقبل منهم إلّا اتّباع أمره واجتناب نهيه على يدي من اصطفاه ، فمن أطاعه رشد ومن عصاه ضلّ وغوى ولزمته الحجة بما ملكه من الاستطاعة لاتباع أمره واجتناب نهيه ؛ فمن أجل ذلك حرمه ثوابه وأنزل به عقابه.

وهذا القول بين القولين ليس بجبر ولا تفويض ، بذلك أخبر أمير المؤمنين عليه‌السلام عباية ابن ربعي الأسدي حين سأله عن الاستطاعة التي بها يقوم ويقعد ويفعل ، فقال له أمير المؤمنين : سألت عن الاستطاعة ، تملكها من دون الله أو مع الله؟ فسكت عباية فقال له

__________________

(١) الزخرف : ٣١.

(٢) الزخرف : ٣٢.

(٣) الأحزاب : ٣٦.