ذاك. لقد كان همّ
الرجل العادي هو حياته الخاصّة يعمل لها ويكدح في سبيلها ، ولا يُفكّر إلاّ فيها ،
فإذا اتّسع اُفقه كانت القبيلة محلّ اهتمامه. أمّا المجتمع وآلامه ـ المجتمع
الكبير ـ فلم يكن ليستأثر من الرجل العادي بأيّ اهتمام ، كانت القضايا العامّة
بعيدة عن اهتمامه. لقد كان العمل فيها وظيفة زعمائه الدينيين والسياسيين ؛
يُفكّرون ويرسمون خطّة العمل وعليه أن يسير فقط ، فلم تكن للرجل العادي مشاركة
جدّية إيجابية في قضايا المجتمع العامّة.
وكان يهتم غاية الاهتمام بعطائه فيحافظ
عليه ، ويطيع توجيهات زعمائه خشية أن يُمحى اسمه من العطاء ، ويسكت عن نقد ما يراه
جوراً بسبب ذلك .
وكان يهتم بمفاخر قبيلته ومثالب غيرها من القبائل ، ويروي الأشعار في هذا وذاك.
هذا مُخطط لحياة الرجل العادي إذ ذاك.
أمّا أصحاب الحسين عليهالسلام فقد كان لهم شأن
آخر.
لقد كانت العُصبة التي رافقت الحسين عليهالسلام ، وشاركته في مصيره
رجالاً عاديين ، لكلّ منهم بيت وزوجة وأطفال وصداقات ، ولكلّ منهم عطاء من بيت
المال ، وكان كثير منهم لا يزال في ميعة الصبا ، في حياته مُتّسع للاستمتاع
بالحُبّ وطيّبات الحياة ، ولكنّهم جميعاً خرجوا عن ذلك كلّه وواجهوا مجتمعهم
بعزمهم الكبير في سبيل مبدأ آمنوا به ، وصمموا على الموت في سبيله.
ولا أستطيع أن أقدّم هنا صورة كاملة
وافية لسُلوك آل الحسين وأصحابه
__________________