حتى نزل الزاوية ، وبعث إلى طعام التجّار الكلاء فأخذه ، فحمله إليه وخلى البصرة لأهل العراق ، وكان عامله عليهم الحكم بن أيوب بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي ، وجاء أهل العراق حتّى دخلوا البصرة ، وقد كان الحجّاج حين صدم تلك الصدمة ، وأقبل راجعاً ، دعا بكتاب المهلّب فقرأه ، ثمّ قال : لله أبوه! (أي صاحب حرب هو) ، أشار علينا بالرأي ولكنّا لم نقبل.
وقال غير أبي مخنف : كان عامل البصرة يومئذ الحكم بن أيوب على الصلاة والصدقة ، وعبد الله بن عامر بن مسمع على الشرط ، فسار الحجّاج في جيشه حتّى نزل رستقباذ (١) ، وهي من دسبتي من كور الأهواز ، فعسكر بها ، وأقبل ابن الأشعث فنزل تستر وبينهما نهر ، فوجّه الحجّاج مطهر بن حرّ العكي في ألفي رجل فأوقعوا بمسلحة لابن الأشعث ، وسار ابن الأشعث مبادراً فواقعهم ، وهي عشية عرفة من سنة ٨١ ، فيقال : إنّهم قتلوا من أهل الشام ألفاً وخمسمئة ، وجاءه الباقون منهزمين ، ومعه يومئذ مئة وخمسون ألف ، ففرّقها في قوّاده وضمّنهم إياها ، وأقبل منهزماً إلى البصرة.
وخطب ابن الأشعث أصحابه فقال : أمّا الحجّاج فليس بشيء ولكنّا نريد غزو عبد الملك. وبلغ أهل البصرة هزيمة الحجّاج ، فأراد عبد الله بن عامر بن مسمع أن يقطع الجسر دونه ، فرشاه الحكم بن أيوب مئة ألف فكفّ عنه ، ودخل الحجّاج البصرة فأرسل إلى ابن عامر فانتزع المئة ألف منه ، فلمّا دخل عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث البصرة بايعه على حرب الحجّاج ، وخلع عبد الملك جميع أهلها من قرّائها وكهولها ، وخندق الحجّاج عليه ، وخندق عبد الرحمن على البصرة ، وكان دخول عبد الرحمن البصرة في آخر ذي الحجة من سنة ٨١.
قال أبو مخنف : حدّثني أبو الزبير الهمداني : وخرج أهل الكوفة يستقبلون ابن الأشعث حين أقبل ، فاستقبلوه بعد ما جاز قنطرة زُبارة (٢) ، فلمّا دخل الكوفة مال إليه أهل الكوفة
__________________
(١) موضع من أرض دستوا (مراصد الاطلاع).
(٢) ناحية بالكوفة.