يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبّته للرئاسات الباطلة وزهده فيها؟ فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا ، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة ، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة ، حتى إذا قيل : (اتَّقِ اللهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ، فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) (١) ، فهو يخبط خبط عشواء ويقوده أوّل باطل إلى أبعد غايات الخسارة ، ويمدّه ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه ، فهو يحل ما حرم الله ، ويحرم ما أحل الله لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي (٢) من أجلها. فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم ، وأعدّ لهم عذابا مهينا.
ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله ، وقواه مبذولة في رضا الله ، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عزّ الأبد من العز في الباطل ، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤديه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد ، وإن كثير ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤدي إلى عذاب لا انقطاع له ولا زوال.
فذلكم الرجل نعم الرجل فبه فتمسكوا ، وبسنّته فاقتدوا ، وإلى ربكم [به] فتوسلوا ؛ فإنّه لا ترد له دعوة ، ولا تخيب له طلبة» (٣).
أقول : قال شيخنا المحدّث الصالح الشيخ عبد الله بن الصالح البحراني ـ طيب الله تعالى مرقده بفيض جوده السبحاني ـ في كتاب (منية الممارسين في أجوبة الشيخ ياسين) ـ في الكلام على العدالة وبيان المعنى المراد منها بعد نقل هذا الخبر ما صورته ـ : (إنه محمول على تعريف الإمام والولي ومن يحذو حذوهما من خواص الصلحاء وخلّص أهل الإيمان الذين لا تسمح الأعصار منهم إلّا
__________________
(١) إشارة إلى الآية : ٢١٦ من سورة البقرة.
(٢) من «ح» والمصدر ، وفي «ق» : يتقي.
(٣) الاحتجاج ٢ : ١٥٩ ـ ١٦٢ / ١٩٢.