ويندفع عنه في المسألة المناقض ، بل صحيحة ضريس وما بعدها من الأخبار المتقدمة صريحة في ذلك.
وأما رابعا ، فإن الفرق بأصالة الحرمة وعدمها ممّا لا دليل من خارج عليه ، ولا صار أحد من الأصحاب في باب من الأبواب إليه ، وذكر المصنف ما يحل ويحرم بالعارض في مقالة على حدة ، إنما هو من قبيل اصطلاحاته التي بنى عليها في هذا الكتاب ، لا لاختصاصها بأحكام تزيد على المحرم والمحلّل أصالة أو تنقص كما لا يخفى على ذوي الألباب. وأبعد من ذلك حمل أخبار اللحم المختلط على الاستحباب ، فإنه ينافي تحقيقه الذي قدّمه في المقام ، ويدفعه دفعا ظاهر الخبرين المنقولين في كلامه عن (نوادر الراوندي) وكتاب (دعائم الإسلام).
وأما خامسا ، فإن عمدة شبهته في الكلام الذي قد خالف فيه ما قدّمه من التحقيق ووقع بسببه في لجج المضيق ، إنما هو صحيحة أبي بصير الواردة في جواز شراء مال السرقة والخيانة إذا اختلط ، وحسنة الحلبي الواردة في الربا ، وقد عرفت الجواب عنهما موضحا مبرهنا.
وبالجملة ، فإنه لا يخفى على من نظر في المسألة بنور التحقيق الساطع ، وعض على غوامض أحكامها بضرس التدقيق القاطع أن المشتبه بالحرام أو النجس المحصورين كائنا ما كان في لحم أو غيره قد صارت له حالة ثالثة غير حالتي يقين الحلّ ويقين الحرمة ، ويقين الطهارة ويقين النجاسة ؛ وذلك فإن الإنسان إذا شرى قطعة من اللحم من سوق المسلمين ـ مثلا ـ فإنه لا ريب في حلّها وطهارتها ، فيقين الحل والطهارة ممّا لا ريب فيه ولا إشكال يعتريه. ثم لو قطع قطعة لحم من ميتة ، فإنه لا ريب أيضا في يقين الحرمة والنجاسة في تلك