وقصته أنّ امرأة ضربت بطن صاحبتها بعمود فسطاط فألقت جنينا ميتا فاختصم أولياؤها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عليهالسلام لأولياء الضاربة «دوه فقالوا أندي من لا صاح ولا استهلّ ولا شرب ولا أكل ومثل دمه بطل. فقال عليهالسلام : أسجع كسجع الكهان. قوموا فدوه» (١) هكذا في الكفاية شرح الهداية (٢). قال وما توهموا أنّه سجع باطل لأنّ مجيئه على صورته لا يقتضي كونه سجعا لأنّ السجع يتبع المعنى فيه اللفظ الذي يؤدّي السجع ، وليس كذلك ما اتفق مما هو في معنى السجع من القرآن ، لأنّ اللفظ وقع فيه تابعا للمعنى.
قال وللسجع منهج محفوظ وطريق مضبوط ، من اخلّ به وقع الخلل في كلامه ، ونسب إلى الخروج عن الفصاحة. كما أنّ الشاعر إذا خرج عن الوزن المعهود كان مخطئا. وأنت ترى فواصل القرآن متفاوتة ، بعضها متداني المقاطع ، وبعضها يمتد حتى يتضاعف طوله عليه. وترد الفاصلة في ذلك الوزن الأول بعد كلام كثير ، وهذا في السجع غير مرضي ولا محمود. وأمّا ما ذكروه من تقديم موسى على هارون في موضع وعكسه في موضع فلفائدة أخرى وهو إعادة القصة الواحدة بألفاظ مختلفة تؤدّي معنى واحدا ، وذلك من التفنن ، فإنّ ذلك أمر صعب تظهر به الفصاحة والبلاغة. ولهذا أعيدت كثير من القصص على ترتيبات متفاوتة تنبيها بذلك على عجزهم عن الإتيان مبتدأ ومتكررا بمثله. ولو أمكنتهم المعارضة لقصدوا تلك القصة وعبّروا عنها بألفاظ لهم تؤدّي إلى تلك المعاني. ونقل صاحب عروس الأفراح عن القاضي أنّه ذهب في الانتصار (٣) إلى جواز تسمية الفواصل سجعا. وقال الخفاجي في سر الفصاحة (٤) : قول الرماني إنّ السجع عيب والفواصل بلاغة غلط فإنّه إن أراد بالسجع ما يتبع المعنى وهو غير مقصود فذلك بلاغة ، والفواصل مثله. وإن أراد به ما تقع المعاني تابعة له وهو مقصود بتكلّف فذلك عيب والفواصل مثله. قال وأظن الذي دعاهم إلى تسمية كل ما في القرآن فواصل ولم يسمّوا ما تماثلت حروفه سجعا رغبتهم في تنزيه القرآن عن الوصف اللائق (٥) بغيره من
__________________
(١) «اسجع كسجع الكهان». صحيح مسلم ، كتاب القسامة ، باب دية الجنين. ح (٣٧) ، ٣ / ١٣١٠. بلفظ : «أسجع كسجع الاعراب» سنن ابي داود ، كتاب الديات ، باب دية الجنين ، ح (٤٥٧٤) ، ٤ / ٧٠٠. بلفظ : «اسجع الجاهلية وكهانتها».
(٢) الكفاية شرح الهداية (فقه حنفى) الهداية في الفروع لشيخ الإسلام برهان الدين علي ابن ابي المرغيناني الحنفي (ـ ٥٩٣). وهو شرح على متن له سمّاه بداية المبتدى. ومن شروح الهداية ، الكفاية في شرح الهداية ، المنسوب إلى محمود بن عبيد الله المحبوبي المكنّى تاج الشريعة والصحيح انه لجلال الدين بن شمس الدين الخوارزمي الكرلاني (ـ ٧٦٧ هـ) طبع ومعه في اعلى الصحائف كتاب الهداية مميّز عن الكفاية ٤٠ جزء طبع حجري كلكتا ٤ / ١٨٣١. لكنا و ٨١ / ١٨٧٦. و ٤ جزء بالمط. الامبراطورية في بلدة قازان من البلاد الروسية سنة ١٣٠٤ ه. حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ٢ / ٢٠٣٤. سركيس ، معجم المطبوعات العربية والمعربة ، ص ٨٣٩.
(٣) الانتصار (في علوم القرآن). الانتصار لنقل القرآن لابي بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ـ ٤٠٣ هـ / ١٠١٣ م). فرانكفورت ١٩٨٧ م بصورته المخطوطة. حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ١ / ١٧٣. البغدادي الباباني ، هدية العارفين ، ٢ / ٥٩.GAS , ١ / ٦٠٩.
(٤) سر الفصاحة (بلاغة ولغة). في اللغة لابي محمد عبد الله بن محمد بن سنان الخفاجي الشاعر (ـ ٤٦٦ هـ). حاجي خليفة ، كشف الظنون ، ٢ / ٩٨٨.
(٥) اللاحق (م).