الصّور المناسبة لحاله التي هو فيها مثلما يرى الدموي المزاج ألوانا حمراء ، والصفراوي يرى النار والجمر ، وفي حال غلبة الرياح يرى نفسه طائرا. وأمّا السوداوي المزاج فيرى الجبال والدخان ، وكذلك البلغمي يرى المياه والأمطار والألوان البيضاء ، ورؤية هذين القسمين في النوم لا اعتبار لها. ولا تستحقّ التعبير وتسمّى أضغاث أحلام.
وأمّا طائفة الصوفية القائلين بعالم المثال فلهم في هذا المقام تحقيق آخر وهو مذكور في كتبهم.
وأكثر ما تطلق الرؤيا على الرؤيا الصالحة. وأمّا الرؤيا السّيّئة فيقال لها حلم ، بضم الحاء ؛ وهذا التخصيص شرعي. ولكنه في اللغة يراد به أي نوع من الرؤى. قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة» ، متّفق عليه. وفي هذا الحديث يمكن ورود عدد من الإشكالات : أولها : أنّه جزء من النبوة فإذن من ليس بنبي لا يرى رؤيا صالحة. بينما الواقع أنّ الرؤيا الصالحة قد تكون لغير الأنبياء أيضا.
والثاني : هو أنّ النبوة نسبة وصفة ، فإذن ما معنى كون الرؤيا الصالحة جزء منها؟.
والثالث : هو أنّ الرؤيا الصالحة كالمعجزات والكشف وبقية أوصاف وأحوال الأنبياء التي هي من نتائج وآثار النبوّة وليس من أجزائها. إذن ما معنى أو ما تأويل وجه الجزئية المذكورة؟
والرابع : أنّ مقام النبوّة قد ختم ، بينما الرؤيا الصالحة باقية. إذن كيف يفهم معنى الجزئية من النبوّة ، وذلك لأنّ وجود الجزء بدون الكلّ أمر محال مثلما هو الكلّ محال بدون الجزء؟
وأخيرا : ما هو التوجيه لتجزئة النبوة إلى ٤٦ جزءا واعتبار الرؤيا جزءا واحدا منها؟ والجواب على الإشكال الأول : هو أنّ المراد جزء من النبوة بالنسبة للأنبياء لأنّهم يوحى إليهم في المنام. وهذا الجواب يردّ عليه حديث آخر ونصّه : «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا. الحديث.
وأمّا الجواب على الإشكالات ٢ ، ٣ ، ٤ ، هو أنّ الرؤيا جزء من أجزاء علوم النبوّة ، بل أجزاء طرق علوم النبوّة ، وعلوم النبوّة باقية لما ورد في الحديث : «ذهبت النبوة وبقيت المبشرات وهي الرؤيا الصالحة».
وقال بعضهم : المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة أثر من آثار النبوّة ، وهي من الفيض الإلهي والإلهام الرّباني ، وهذا الأثر باق من آثار النبوّة وجزء من أصل النبوّة لا يوصف بالجزئية إلاّ باعتبار ما كان.
وقال قوم غيرهم : النبوّة هنا بمعناها (اللغوي) الإنباء ، أي أنّ الرؤيا الصالحة هي أخبار صادقة لا كذب فيها. وثمّة تصريح بذلك في بعض الأحاديث. وقال غيرهم : المراد بالجزء ليس المعنى المتعارف عليه عند أهل المعقول (الفلسفة) ؛ بل المراد هو أنّ الرؤيا الصالحة صفة من صفات النبوّة وفضيلة من الفضائل العائدة إليها ، وقد توجد بعض صفات الأنبياء لدى غير الأنبياء ، كما ورد في حديث آخر معناه : الطريق الواضح والفضيلة والحكم والاعتدال من النبوة. والحاصل : هو أنّ جميع صفات الكمال أصلها عائد للنبوّة ومأخوذ من هناك ، وأمّا تخصيص الرؤيا بذلك فلمزيد الاختصاص في باب الكشف وصفاء القلب. ولا شكّ أنّ جميع كرامات (الأولياء) ومكاشفاتهم من ظلال النبوّة وشعاع من أشعتها.
أمّا وجه التخصيص بالعدد ستة وأربعين فهو أنّ زمان نبوة (سيدنا محمد) كان ٢٣ سنة ،