يسمّى أيضا اختلاف البعد الأبعد والأقرب لاشتماله عليهما ، فهو إمّا على سبيل التغليب وإمّا على أنه اختلاف بعد هو أبعد من البعد الأوسط أو أقرب منه ، وهذا بخلاف ما في القمر فإنه يسمّى اختلاف البعد الأقرب فقط ، إمّا لتغليب أقرب الأبعاد أعني الحضيضية على سائرها وإمّا لأنه اختلاف بعد هو أقرب من البعد الأوجي. وقيل غاية الاختلاف الثاني اختلاف البعد الأقرب وهو الموافق لما ذهب إليه صاحب المجسطي (١) ومن تبعه من أصحاب الزيجات من تسمية الاختلاف الثاني عند كون مركز التدوير في الحضيض باختلاف البعد الأقرب ، وقد يسمونها بالاختلاف المطلق أيضا. هذا وقد قيل إنّ أهل الهيئة يسمّون الاختلاف الثاني مطلقا سواء كان مركز التدوير في الحضيض أو لم يكن اختلاف البعد الأقرب لما دلّ البرهان على وجوده وإن لم يعرفوا مقداره. وأما أهل العمل أي أصحاب الزيجات فيسمّون الاختلاف الثاني عند كون مركز التدوير في الحضيض اختلاف البعد الأقرب لأنه معلوم عندهم موضوع في الجدول. وأمّا في سائر المنازل فهو غير معلوم لهم ولا بموضوع في الجدول لجزء جزء إلاّ غايته ، فإنها مستخرجة لسهولة تظهر في العمل ، فلهذا لم يسمّوه في سائر المنازل باسم ، وتوضيح السهولة التي ذكرناها أنهم استخرجوا الاختلافات الثانية لنقطة التماس بحسب كون مركز التدوير في الأبعاد المختلفة ونقلوها إلى أجزاء يكون الاختلاف الثاني لنقطة التماس عند كون مركز التدوير في الحضيض ، أعني غاية الاختلاف الثاني لنقطة التماس بتلك الأجزاء ستين دقيقة ، وسمّوها دقائق الحضيض ، ووضعوها بإزاء أجزاء المركز.
كما أنهم وضعوا الاختلاف الأول وغاية الاختلاف الثاني لأجزاء التدوير معا بإزاء أجزاء الخاصة المعدّلة. وقد تقرّر أنّ نسبة غاية الاختلاف الثاني لنقطة التماس إلى غاية الاختلاف الثاني لجزء مفروض كنسبة الاختلاف الثاني لنقطة التماس عند كون التدوير في بعد غير الحضيض ، أعني كنسبة دقائق الحضيض إلى الاختلاف الثاني لذلك الجزء في ذلك البعد ، ولمّا كان المقدّم في النسبة الأولى واحدا أعني ستين دقيقة وقسمة المضروب عليه وعدمها سواء فبقاعدة الأربعة المتناسبة إذا ضرب غاية الاختلاف الثاني للجزء المفروض في دقائق الحضيض وهما معلومان من الجدول ، ويكون الحاصل الاختلاف الثاني لذلك الجزء بحسب البعد المفروض ، فيحصل بهذا العمل الاختلافات الثانية لأجزاء التدوير بحسب كونها في الأبعاد المختلفة من غير أن يحتاج إلى وضع جميعها في الجدول.
فائدة :
قد فسّر صاحب التذكرة وشارحوها الاختلاف الأول والثاني بالزاوية الحاصلة عند مركز العالم لا بالقوس ، والأمر في ذلك سهل ، فإنّ الزوايا إنما تتقدر بالقسي الموترة لها فيجوز أن يفسّر الاختلاف الأول بقوس بين الوسط والتقويم وأن يفسر بزاوية حادثة على مركز العالم بين خطّين الخ ، فإنّ المآل واحد كما لا يخفى.
فائدة :
هذا الاختلاف هو الاختلاف الأول بعينه في الحقيقة سواء كان مركز التدوير في البعد الأبعد أو لم يكن ، إلاّ أنهم لما أرادوا وضع
__________________
(١) كلمة يونانية معناها الترتيب وهو لبطليموس القلوذي الحكيم والكتاب من أفضل ما ألّف في الهيئة. وقد عرّبه حنين بن إسحاق (ـ ٢٦٠ هـ) وحرره ثابت بن قرة في عهد الخليفة العباسي المأمون ولخّصه نصير الدين الطوسي (ـ ٦٧٢ هـ) وعليه تعليقات وشروح كثيرة. كشف الظنون ٢ / ١٥٩٤ ـ ١٥٩٦.