اعلم أنّ من اشترط التغير في المعنى نظر إلى أنّ المقاصد الأصلية من الألفاظ معانيها ، وإذا اتحد المعنى لم يكن هناك تفرّع وأخذ بحسبه ، وإن أمكن بحسب اللفظ فالمناسب أن يكون كل واحد أصلا في الوضع وعرّف المشتق بما ناسب أصلا بحروفه الأصول ومعناه بتغير ما ، أي في المعنى. ومن لم يشترط اكتفى بالتفرّع (١) والأخذ من حيث اللفظ ، فحذف قيد التغير من هذا التعريف. فإن قلت نحو أسد مع أسد يندرج في التعريفين فما تقول في ذلك جمعا ومفردا. قلت يحتمل القول بالاشتراك فلا اشتقاق ، ويمكن أن يعتبر التغير تقديرا فيندرج فيهما ويكون من نقصان حركة وزيادة مثلها ، وإمّا الحلب والحلب بمعنى واحد فيمكن أن يقال باشتقاق أحدهما عن الآخر كالمقتل مع القتل وأن يجعل كل واحد أصلا في لوضع لعدم الاعتداد بهذا التغير القليل. فإن قلت ما الفرق بين الاشتقاق والعدل المعتبر في منع الصرف؟ قلت المشهور أنّ العدل يعتبر فيه الاتحاد في المعنى والاشتقاق إن اشترط فيه الاختلاف في المعنى كانا متباينين وإلاّ فالاشتقاق أعمّ ، إلاّ أن الشيخ ابن الحاجب قد صرّح في بعض مصنفاته بمغايرة المعنى في العدل ، فالأولى أن يقال إنه صيغة من صيغة أخرى ، مع أنّ الأصل البقاء عليها والاشتقاق أعمّ من ذلك ، فالعدل قسم منه. ولذلك قال في شرحه للكافية عن الصيغة المشتقة : هي منها ، فجعل ثلاث مشتقة من ثلاثة ثلاثة ، هذا كله خلاصة ما ذكره السيد الشريف في حاشية العضدي.
اعلم أنّ المشتق قد يطّرد كاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبّهة وأفعل التفضيل وظرفي الزمان والمكان والآلة ، وقد لا يطّرد كالقارورة ، فإنها مشتقة من القرار لأنها لا تطلق على كل مستقرّ للمائع ، وكالدّبران مشتق من الدبر ولا يطلق مما يتصف به إلاّ على خمسة كواكب في الثور ، وكالخمر مشتق من المخامرة مختص بماء العنب إذا غلى واشتدّ وقذف بالزبد ، ولا يطلق على كلّ ما توجد فيه المخامرة ونحو ذلك ، وتحقيقه أنّ وجود معنى الأصل في المشتق قد يعتبر بحيث يكون داخلا في التسمية وجزأ من المسمّى ، والمراد (٢) ذات ما باعتبار نسبة معنى الأصل إليها بالصدور عنها أو الوقوع عليها أو فيها أو نحو ذلك ، فهذا المشتق يطّرد في كلّ ذات كذلك كالأحمر فإنه لذات ما لها حمرة ، فاعتبرت في المسمّى خصوصية صفة أعنى الحمرة مع ذات ما [فاطّرد] (٣) في جميع محاله ، وقد يعتبر وجود معنى الأصل من حيث أن ذلك المعنى مصحّح للتسمية بالمشتق ، مرجّح لها من بين سائر الأسماء ، من غير دخول المعنى في التسمية ، وكونه جزأ من المسمّى والمراد (٤) بالمشتق حينئذ ذات مخصوصة فيها المعنى لا من حيث هو ، أي ذلك المعنى في تلك الذات ، بل باعتبار خصوصها ، فهذا المشتق لا يطّرد في جميع الذوات المخصوصة التي يوجد فيها ذلك المعنى ، إذ مسمّاه تلك الذات المخصوصة التي لا توجد في غيرها كلفظ الأحمر إذا جعل علما لولد له حمرة. وحاصل التحقيق الفرق بين تسمية الغير بالمشتق لوجود المعنى فيه فيكون المسمّى هو ذلك الغير والمعنى سببا للتسمية به ، كما في القسم الثاني ، فلا يطّرد في مواضع
__________________
(١) النوع (م).
(٢) المقصود (م ، ع).
(٣) [فاطّرد] (+ م ، ع).
(٤) المقصود (م ، ع).