وعلى أساس منه صدرت أحكامه عليهم ، فالكاتب له موازينه التي تغلق على الشاعر وله مثلها وللفيلسوف أيضاً مثلها ، ناهيك بالمراجع ، فلا يمكن أن يوزن هذا بميزان ذاك ، أمّا إذا اجتمعت الصفات في واحد فله عالم من الموازين تقيم ذاتيّته.
وهذه حسنة عصره ، فما كان بوسع أحد أن يدّعي ما ليس عنده لأنّه لن يجد وسطاً يغازله أو يضمّه إلى صدره مطلقاً.
نعم أنت لا تعدم الأدعياء حتّى في دنيا الأنبياء إلّا أنّ الدعي من كلّ صنف كالطحلب ليست له جذور تثبّته ، بل يتقوّم بدعم غيره له ، من قبيل فئات مشبوهة أو سلطات جائرة ، ليس لها سلطان على الأُمّة ، ويبقى الدعي قلقاً في المجتمع تطوح به النسمات فضلاً عن الزعازع.
وقد أدركنا ذيلاً من هذا العصر ونحن في عمر الأخذ والتلقّي ، ورأينا بعضهم مدعوماً بمن وصفنا ورأينا الناس ينفرون منه كما ينفرون من ذي العاهة وفي هؤلاء البعض من خسر رصيده الشعبي تماماً وبقي منبوذاً في الأرض السبخ ، وفارقه الناس إلّا قوماً آثروا دنياهم على دينهم فكانوا بمنزلة ذنب الأبتر ؛ لا تمّت به خلقته ولا تمّ به نفعه.
وهكذا عاش شيخنا المحلّاتي رحمه الله تعالى في زمن صالح قياساً إلى زماننا ، لذلك أوكل أمر شخصيّته للحقّ يقرّر مدارها وإن كان ـ والحقّ يقال ـ لا تنقصه صفة من صفات العلم التي تزيّن الرجال الأفذاذ.
وغلب عليه الشغف بالقلم فانصرف بكلّه إليه لا يكاد يفلت
من بين أصابعه ، من ثمّ كثر إنتاجه وغزر وأثمر قلمه الشريف ثماراً نافعة جدّاً ونافقة جدّاً عند إخوانه العلماء ، ولكنّهم ـ مع مزيد الأسف ـ ظلموه ، وكان من حقّه عليهم أن يُرفع قدره إلى مستواه الحقيقي فلم ينل من عنايتهم ما ناله غيره ممّن يصغر عن قدره