الصغيرة. افهمني ـ
يا طرماح ـ وروِّ شِعرك مِن أطيب المناهل!!!
ـ ١٢ ـ
وكان النزول في كربلاء ، يا للحصون
المُدَّرعة! ويا للعطش المَشروب! يَنزُّ عليه الفرات بالماء الفرات ، ويا للرماح
المُشرعة ، تصهل بها الخيل مِن عِزٍّ إلى عِزٍّ ، تتنادى به السهول الفيحاء ، مَدَّاً
إثر مَدٍّ نحو الكوفة ، والبصرة ، في انسياب يخضرُّ بدجلة ، ويرتفع شامخاً بالجبال
المُشرئبَّة فوق الخليل ، ويا للجيش! يُكْفكف الأرض ويصونها بالدفاع عن شرف تُحاول
أنْ تدوسه زُمرة مِن الخارجين على السَّدَّة الرفيعة ، التي يحرسها بالمَجد خليفة
عاهر ، تَمرَّغ بالرذيلة والآثام ، اسمه يزيد بن مُعاوية ، جامع الرايات باسم الإسلام
في كربلاء الإسلام!!! ويا للدعيِّ يُمرِّغ الخلافة بانتسابه إليها ، كأنَّ الله ما
أنزل القرآن إلاَّ ليلفَّه به في لِفافة الإرث ، ولِفافة الحَقِّ ، ولِفافة البيان!!
واستلم زمام القتال ـ على رأس جيش أكثر
مِن ثلاثين ألفاً ـ عمر بن سعد بن أبي وقَّاص ، وبقي يجول ويصول ، مِن هِلَّة
مُحرَّم حتَّى العاشر منه ، ولم يترك ساحات الرمال إلاَّ مُقفلة تمام الإقفال على
السيِّد الإمام ، اللابس الحِبْرة اليمانيَّة المشقوقة ، والمُمتشق سيفاً يُلعلع
به ، كأنَّه مقدود مِن مقالع الجحيم!!!
لقد ببقي الفارس يَخضُّ الحسام الأبيض
بيمينه ، والتهديد الأحمر بيساره ، والعَزم والزخم الاشهبين برأسه وتَلعة عُنقه ، حتَّى
هوى والأحمر القاني صبغة حِبرته ، ومِلء كفَّيه يغبُّ منه عطشه ، ليس إلى الفرات
وحسب ، بلْ إلى قنِّينة يملأها منه ليهديها إلى الرجل الآخر الغائب وراء أكثر مِن
ألفي سنة ، حتَّى يغمس قلمه بحبرها ، ويخطَّ ملحمة أُخرى غير إلياذته العظيمة ، تكون
تعبيراً حيَّاً عن ملحمة إنسانيَّة واقعيَّة تقرأها الآن كربلاء.