لم تكن المُبايعة التي قصدها الحسين في
حضرة الوالي ـ أبداً ـ ليزيد ، بلْ إنَّها لجوهر الإمامة التي هي له الآن في
شمولها المُطلق. إنَّها للأُمَّة تقطف منها ـ في كلِّ غَدٍ طالع عليها ـ ما يعينها
في البلوغ الكريم ، وما يُثبِّت أقدامها في الترقِّي الصامد بحقيقة الذات ، ما
يُعينها في البلوغ الكريم ، وما يُثبِّت أقدامها في الترقِّي الصامد بحقيقة الذات.
ولقد تعهَّد ببذل دَمه مِن أجل هذه الأُمَّة الكريمة ، التي تتحصَّن دائماً باسم
جَدِّه العظيم ، الذي وهبها كل ذاته ، في حين أنَّها لا تتمجَّد إلاَّ وهي تنمهر
بذكره.
لم يشدَّ الحسين الآن ـ في حضرة الوالي
ـ عزمه على المُبايعة تلك ، مُمهورة ببذل الدم حين تقضي الحاجة ، بلْ إنَّه
التقرير الكبير الذي كان يصوغ بنوده ، مُنذ بدأ يعي حقيقته المرسومة في بال جَدِّه
الأكبر ، وهي حقيقة ما استوعبها حتَّى أدرك أنَّه مربوط بالالتزام. إنَّ الإمامة ـ
في إحاطتها الكاملة ـ هي التي كانت توسِّع عليه المُعاناة ، وتُكيِّفه بالصبر
والتأنِّي ، وتُحضِّره لكلِّ مواجهة تُجابهه بها الأحداث ، التي هي ـ بحَدِّ ذاتها
ـ مجالات تُعبِّر بها الحياة عن مقاييس زخمها في مُجتمعات الإنسان.
تلك هي مجالات الأحداث التي توقَّف
الحسين طويلاً في استيعابها والتملِّي في درسها ، وهي تنفث ريحها السَّموم في
جَوِّ الأُمَّة التي استوعبها جَدُّه وأبوه وأخوه ، وتركوا زمامها الآن عليه حتَّى
يتعهَّدها بالإمامة التي عَبث بحبالها عمر بن الخطَّاب ، ولم يقبل إلاَّ أنْ
يوصلها إلى مَن يُتابع العَبث بها عَبث الفاسقين!!!
أمَّا الأُمَّة ، فهي التي يتمُّ توجيهها
لتعرف كيف تقرأ الأحداث ، التي نقشتها هي بخطواتها الممشيَّة فوق الأرض ، حتَّى
يكون لها مِن حروف القراءة تمييز بين نَقشٍ ونَقشٍ ، تتجنَّبه هزيلاً مريضاً ، وتتحفَّز
لتقويمه إنْ رأته معوجَّاً ، وترتاده إنْ تلمس فيه خطَّاً إلى صواب وجمال ، تلك هي
المُهمَّة الكبيرة نَقَشَ خطوطها وقنواتها الصريحة جَدُّه الأعظم ، فقدَّمها
للأُمَّة تقرأ بها تقويم خُطواتها ، وتعيين حظوظها ، كلَّما تنقَّلت بها الأعمار
في باحات الحياة ، وتلك هي المُهمَّة الكبيرة ذاتها ، تناولها أبوه الأجلُّ ، وقدَّمها
للأُمَّة تقرأ بها صيانة خطواتها ، وهي تحفرها فوق الرمال المَعْميَّة بالسراب ، وتلك
هي المُهمَّة الكبيرة ذاتها ، توسَّلها أخوه الأحبُّ وقدَّمها للأُمَّة