وسيّد هؤلاء الشهداء ، الحسين بن علي (عليه السّلام) الذي أحيى (هو والذين معه) مَجد هاشم ، ودين محمّد (صلَّى الله عليه وآله) ومعارف القرآن ، وشعائر الإسلام ، وأخلاق العرب في وثباتهم ضِدَّ سلطة الجَور والفجور ، فلم تختلف لهجته ، ولا تخلَّفت سيرته ، ولا وهنت عزيمته ، ولا ضعُفت حركته ، ولا ضيَّع مصالح أعوانه لترضية عدوانه.
ونفس قويَّة وأبيَّة مِثل هذه ، أضحت كالمُغناطيس جذّابة ، إليها أمثاله ، ومَن على شاكلتها في الإخلاص والتضحية ، وشبه الشيء مَجذوب إليه.
فالتفَّ حول حسين المَجد ، مِن صَحبه وآله ، مَن يَجرون على مِنواله ، بتضحية النفس والنفيس في سبيل الدين ، وصالح الأُمَّة ؛ حتَّى أنَّه يوم أحس بالصَّدِّ والحصار بكربلاء ، وأنَّه مقتول لا مَحالة ، عَزَّ عليه أنْ يُقتل بسببه غيره ، فأذِنَ لأهله وصحبه بالتفرُّق عنه ـ حيث إنَّ القوم لا يُريدون غيره ـ ؛ ليدرأ عنهم الموت بحِلِّ بيعته عن ذِممهم ، فخطب فيهم قائلاً :
«أُثني على الله أحسن الثناء ، وأحَمده على السرَّاء والضرَّاء ، اللّهم إنِّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة ، وعلَّمتنا القرآن ، وفقَّهتنا في الدين ، وجعلتَ لنا أسماعاً ، وأبصاراً ، وأفئدة ، فاجعلنا مِن الشاكرين.
أمَّا بعد ، فإنِّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي ، ولا أهل بيت أبرَّ ، ولا أوصل مِن أهل بيتي ، فجزاكم الله عنِّي خيراً ، ألاْ وإنِّي قد أذِنت لكم ، فانطلقوا جميعاً في حِلٍّ ، ليس عليكم حرج مِنِّي ولا ذِمام ، هذا الليل مِن بيعتي قد غَشيكم ، فاتَّخذوه جَملاً ، إلى آخره».