الثاني : ما في حقّ اليقين (١) ، وهو أنّه تعالى لو لم يكن قديما ، لم يكن وجوده واجبا ، فيكون محتاجا ، يعني محتاجا إلى ما يوجده ، تعالى اللّه عن ذلك فهو الغني بذاته عمّا سواه ، فيكون غنيّا عن الإيجاد وموجودا بالقدم.
الثالث : ما في شرح نهج البلاغة (٢) ، وهو أنّ الأجسام كلّها حادثة ، لأنّها غير خالية عن الحركة والسكون ، وكلّ حادث مفتقر إلى محدِث وخالق له ، وذلك المحدِث الخالق إمّا ان يكون محدَثا فيحتاج إلى خالقٍ ويتسلسل .. وإمّا أن يكون محدِثا لنفسه وهو باطل ، فإنّ ما لا يوجد لا يمكن أن يصدر منه الوجود.
فلابدّ أن يكون المحدِث الخالق قديما أزليّا غنيّا لا بداية لوجوده كما لا نهاية له ، وهو اللّه تعالى.
وأوضح الأدلّة على قدمه تعالى بحكم العقل الجازم ، هو ما أرشد إليه سيّد الموحّدين وأمير المؤمنين عليهالسلام بقوله :
«الحمد للّه الدالّ على وجوده بخلقه ، وبمحدَث خلقه على أزليّته ...» (٣).
وكذلك قوله عليهالسلام :
«الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه» (٤).
فإنّ العقل حينما يرى المخلوقات حوادث متّصفة بالحدوث يكشف ويحكم بأنّ خالقها قديم أزليّ ، لمباينته مع خلقه ، وعدم اتّصافه بالصفات التي
__________________
(١) حقّ اليقين : (ج١ ص٢٩).
(٢) منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة : (ج٩ ص١٧٤).
(٣) نهج البلاغة : (ص٥٣ رقم الخطبة١٤٨ من الطبعة المصرية).
(٤) نهج البلاغة : (ص١٣٧ رقم الخطبة١٨٠ من الطبعة المصرية).