الغرض إيجاد مادّة هذا الفعل ، فإذا توجّهت الإرادة إلى التلف فيكون الغرض إيجاد هذه المادّة في الخارج ، فلذلك يسند الفعل إلى مريد هذا الفعل إذا أوجده ، وكذلك إذا تعلّقت الإرادة بالإتلاف فلمّا يكون الغرض إيجاد ذلك فيقال : إنّه أوجد الإتلاف ، فكذلك يستند إيجاده إلى مريده أنّه أوجد الإتلاف بعد تحقّق المادّة في الخارج.
إذا تبيّن ذلك فنقول : إنّ المغرور إذا توجّهت إرادته إلى أكل مال الغير فأكله بأمر الغارّ ، فلمّا يصدق على فعله ذلك إتلاف مال الغير ، فيصير ضامنا لصاحب المال (١) ، وكذلك الغارّ بعد أمر المغرور على أكل المال وإغراره فيه ، لما يصدق على عمله أنّه أوجد الإتلاف ، فالخسارة الّتي تتوجّه على المغرور لتضمين صاحب المال إيّاه أوجبها الغارّ ، ولذلك يجب عليه تدارك خسارته ، فكما أنّ المغرور أتلف مال الغير فكذلك الغارّ أتلف مال المغرور فيضمن ما يعطيه بالمالك ، فيرجع إلى الغارّ بعد أدائه.
فانقدح من ذلك ؛ أنّ المتلف لمال الغير حقيقة إنّما هو المغرور ، ولذلك ليس لصاحب المال الرجوع إلى غيره ، والغارّ إنّما هو متلف لمال المغرور ، وهو ما يؤدّيه عوضا عمّا أتلف ، فتتوجّه عليه الخسارة ، ولذلك ليس له الرجوع إلى الغارّ قبل أدائه شيئا ، ففي الحقيقة ما يعطيه الغارّ إنّما هو غرامة عمّا أوجب فواته عن المغرور لا أن يكون هو ضامنا لصاحب المال.
فظهر أنّ ما يستفاد من النصّ بدلالة الالتزام ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «المغرور يرجع
__________________
(١) فليس اختيار المغرور في ما فعل بالنسبة إلى اختيار الغارّ كلا اختيار ، فتكون إرادته تحت إرادته الّذي كان ذلك ملاكا لصحّة سلب الإتلاف عن فعل المباشر واستناده إلى السبب ، فتدبّر! «منه رحمهالله».