مع أنّ الشارع أيضا بنفسه اعتبر ذاك الوجود الاعتباري ، وقد قلنا : إنّه ليس اعتباريّا محضا ـ كأنياب الأغوال ـ وكذلك لا ينفكّ هذا الوجود الاعتباري عن العيني ، ونظير هذا الوجود الاعتباري ـ الّذي يكون منشأ للآثار الشرعيّة ، بل العرف أيضا يراه موجودا ـ إنّما هو مسألة المنافع الغير المستوفاة وضمانها على من كان ضامنا للعين ، فإنّ في ضمان هذه المنافع أقوال ، ذهب بعض إلى العدم (١).
والعمدة في استدلالهم هي أنّ المنافع أمر متصرّم الحدوث ، فما لم يوجد منها من حيث عدم انقضاء زمان فأمر معدوم ، وكذلك ما انقضى زمانها ، والمفروض أنّ ذا اليد على العين ما استوفى شيئا فصار معدوما ، والضمان لا بدّ وأن يتعلّق بأمر موجود.
وذهب الآخرون إلى ضمانها ، مستدلّين بأنّها في ذاتها وإن كانت معدومة إلّا أنّه باعتبار قابليّة وجودها والمفروض ؛ أنّ قابليّة وجودها فعليّة ، فيراها العرف بهذا الاعتبار أمرا موجودا ، ويكفي في وجود الامور المتصرّمة اعتبار الوجود كذلك ، أي تحقّق قابليّة نفسها ووجود منشأ انتزاعها فعلا (٢).
ولذلك ترى العرف مع مثل هذه الامور الاعتباريّة يعاملون معاملتهم مع الموجود الحقيقي الخارجي ، والشارع أيضا أمضى معاملتهم كذلك ، فإنّه يجوز لصاحب الأملاك أن يؤجر أو يهب منافع أملاكه إذا كان الآن مهجورا عن منافعها إلى سنين متمادية ، منافعها المحدثة لها بعد هذه السنوات ، ليس ذلك إلّا أنّ العرف يراها الآن موجودة بوجود قابليّتها ، وكون منشأ اعتبار وجودها الآن ملكا ومالا للمؤجر والموهب.
__________________
(١) لاحظ! جواهر الكلام : ٣٧ / ١٦٨.
(٢) جامع المقاصد : ٦ / ٢٧٣.