والصناعات المكروهة ، مع كونها واجبة كفائيّة وتوهّم كونها واجبة توصّليّة فلا منافاة لها مع الكراهة ، لعدم كونها عبادة ، فاسد ، كيف لا؟ وعدم اجتماعها معها من جهة اشتمالها على مصلحة راجحة والكراهة حاصلة من مفسدة راجحة غير ملزمة.
وهاتان الجهتان قد حصلتا من الأمر والنهي والتوصّليّات المكروهة من هذا القبيل ، ومجرّد اشتراط القربة فيها دونها غير فارق ، فتدبّر!
وأمّا العهد ؛ فمعناه الجعل بينه وبينه تعالى ، فكأنّه بعد ما أذنه تعالى في أن يعاهد معه تعالى ، صار وكيلا عنه تعالى ، فيقول : عاهدت وأوجبت له عليّ أن أفعل كذا ، قالوا : ولا يشترط فيه وفي اليمين القربة ولا كون متعلّقهما طاعة.
وممّا يدلّ على كفاية قوله : لله عليّ كذا في النذر وعدم لزوم قصد القربة غاية للفعل ، هذا الّذي ذكروه من اشتراطهم كونه في النذر طاعة ، بخلافه فيهما ، إذ لا يمكن أن يلزم على نفسه عنه شيئا إلّا وكان مرضيّا له وراجحا عنده ، وليس الراجح والمرضيّ عنده إلّا ما يقرّب العبد (وَما أُمِرُوا إِلّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (١) (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى * إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) (٢).
واليمين على أمر مستقبل معناه فقدان الله (٣) لو تخلّف عن المحلوف عليه ، لأنّ معنى القسم في قوله : أقسم بالله أفعل كذا هو الفقدان (٤) ، والمراد منه هنا هو البعد عنه تعالى.
__________________
(١) البيّنة (٩٨) : ٥.
(٢) الليل (٩٢) : ١٩ و ٢٠.
(٣) كذا في النسخة.
(٤) كذا في النسخة.