فالضالّ الذي ليس علىٰ طريف الله يعيش في ظلمات غارق فيها لا يخرج منها ، فهو في ظلمات عديدة كظلمة النفس والدنيا وتزيين الشيطان ، فهذا الإنسان الضال يعيش جموداً مطلقاً شاحباً ، حتىٰ ان تصوراته للكون والحياة تتضيق فلا يرىٰ إلّا نفسه وما يتعثّر به ، فهو في ظلمات عديدة لا يخرج منها ، ولا يستطيع أن يثور عليها ؛ لأنها حوّلت الحياة الرحيبة سجناً صغيراً لأفكاره ومشاعره ، وبذلك تبلّد لديه الفكر الكوني التكاملي وتقطّعت مشاعره تقطعاً.
بينما الإنسان حين تدخل الهداية نفسه وتنبسط روحه لخالقها ، فإنها تحييه حياة طيبة ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ) (١) وتثير الحياة والحركة في مقاطعه الميتة ، فهذا النشور الجديد وهذا الاحياء في ميت الضلالة ، يمكنه الاستفادة مما حوله ، وبهذا يقدر علىٰ التفاهم مع ما تحيطه من مفردات ، بل تضيف الآية الكريمة بعداً آخر في قوله تعالىٰ : ( وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ ) (٢) فبعد إحيائه وحركته يستطيع إبصار ما حوله بنور إلهي يبدّد له ظلمات النفس والدنيا ، ثم يمشي في الناس بوحي من هذا النور.
فهذا النور يستتبع أثراً واقعياً ليمشي به في خلق الله من البشر ، من أجل أن يؤدّي رسالته بين الناس بفعل ما فيه من نور إلهي ، وأخيراً لاحظ الفرق الكبير متخبّط في ظلمات ، وبين ميت أحياه الله وجعل له نوراً يستنير به.
_______________________
(١) سورة النحل : ١٦ / ٩٧.
(٢) سورة الأنعام : ٦ / ١٢٢.