وآذَاهُ ، ولا يُقَال في غيْرِ البَعُوضِ. قال يَمْدَحُ رَجُلاً باتَ في كِلَّةٍ :
لَنِعْمَ البَيْتُ بَيْتُ أَبِي دِثَارٍ |
|
إِذا ما خَافَ بَعْضُ القَوْمِ بَعْضاً |
قوله بَعْضاً ، أَي عَضًّا. وأَبو دِثارٍ : الكِلَّةُ.
وقَوْمٌ مَبْعُوضُونَ ، وأَرْضُ مَبْعَضَةٌ ، كما يُقَال : مَبَقَّة ، أَيْ كَثِيرَتُهُمَا.
تَذْنِيبٌ : نُقِلَ عن أَبي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ جَعَلَ البَعْضَ من الأَضْدادِ ، وأَنَّهُ يَكُون بمَعْنَى الكُلِّ واسْتَدَلَّ له بقَوْلِه تَعالى : (يُصِبْكُمْ) بَعْضُ (الَّذِي يَعِدُكُمْ) (١) أَي كُلّه. واستَدَلَّ له بِقَوْلِ لبِيد :
أَوْ يَعْتَلِقْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُها (٢)
فإِنَّهُم حَمَلُوه على الكُلِّ. قُلتُ : وهكذا فَسَّرَ أَبُو الهيْثَمِ الآيةَ أَيْضاً : قال ابنُ سِيدَه : وليْسَ هذَا عِنْدي على ما ذَهَب إِليْه أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْبَعْضَ في مَعْنَى الكُلّ. هذا نَقْضٌ ولا دَلِيلَ في هذا البَيْتِ ، لأَنَّهُ إِنّمَا عَنَى ببَعْضِ النُّفُوسِ نَفْسَهُ. قال أَبُو العَبّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : أَجْمَع أَهْلُ النَّحْوِ على أنَّ البَعْضَ شَيْءٌ من أَشيَاءَ أَو شَيْءٌ من شَيْءٍ ، إِلاّ هِشَاماً فإِنَّه زَعَم أَنَّ قَوْلَ لبِيدٍ : أَوْ يَعْتَلِقْ إِلخ فادَّعَى وأَخْطَأَ أَنَّ الْبَعْضَ هُنَا جَمْعٌ ، ولم يَكُنْ هذَا مِنْ عَمَلِه ، وإِنّمَا أَرادَ لبِيدٌ ببَعْضِ النُّفُوسِ نَفْسَهُ. قال : وقَوْلُه تَعَالَى : (يُصِبْكُمْ) بَعْضُ (الَّذِي يَعِدُكُمْ) أَنَّه كان وَعَدَهُم بشَيئين : عَذَاب الدُّنيَا وعَذَاب الآخِرَة ، فقَال : يُصِبْكُمْ هذَا العَذَابُ في الدُّنيَا ، وهو بَعْضُ الوَعْدَين من غيْرِ أَنْ يَنْفي عَذَابَ الآخِرَة. وقال أَبو إِسْحَاقَ في قَوْله : بَعْضُ (الَّذِي يَعِدُكُمْ) من لَطِيفِ المَسَائِلِ أَنَّ النَّبِيَّ صلىاللهعليهوسلم إِذا وَعَدَ وَعْداً وَقَعَ الوَعْدُ بأَسْرِه ولم يَقَعْ بَعْضُهُ ، فمِنْ أَيْنَ جَازَ أَنْ يَقُولَ بَعْضُ (الَّذِي يَعِدُكُمْ) ، وحَقُّ اللَّفْظِ : كُلُّ الَّذِي يَعِدُكُم ، وهذا بَابٌ من النَّظَرِ يَذْهَبُ فيه المُنَاظِرُ إِلى إِلْزَام حُجَّتِهِ (٣) بأَيْسَرِ مَا فِي الأَمْرِ ، وليْس هذا في مَعْنَى الكُلِّ (٤) ، وإِنَّمَا ذَكَرَ البَعْضَ لِيُوجِبَ له الكُلَّ ، لِأَنَّ البَعْضَ هو الكُلُّ.
ونَقَل المصَنِّف في البَصَائر عن أَبِي عُبَيْدَةَ كَلَامَهُ السَّابِقَ ، إِلاّ أَنَّه ذَكَر في اسْتِدْلالِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ) بَعْضَ (الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) (٥) أَي كُلَّ ، وذَكَر قَوْلَ لبِيدٍ أَيْضاً : قَال : هذا قُصُورُ نَظَرٍ منه ، وذلِكَ أَنَّ الأَشيَاءَ على أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ (٦) : ضَرْب في بَيانِهِ مَفْسَدَةٌ ، فلا يَجُوزُ لِصَاحِبِ الشَّرِيعَةِ بَيَانُه ، كوَقْتِ القِيَامَة ، ووَقْتِ المَوْتِ.
وضَرْب مَعْقُول يُمْكِن لِلنَّاسِ إِدراكُه من غيْر نَبيّ ، كمَعْرِفة اللهِ ، ومَعْرِفَةِ خَلْقِ السَّموَاتِ والأَرْضِ ، فلا يَلْزَمُ صَاحِبَ الشَّرْعِ أَنْ يُبَيِّنَه ، أَلَا تَرَى أَنَّه أَحالَ مَعْرِفَتَه على العُقُول في نَحْوِ قَولِه (قُلِ انْظُرُوا ما ذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٧) وقوله : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ) (٨).
وضَرْب يَجِبُ عليه بَيَانُه ، كأُصُولِ الشَّرْعِيّات المُخْتَصَّةِ بشَرْعِهِ.
وضَرْب يُمْكِنُ الوُقُوفُ عليه بِمَا يُبَيِّنُه صاحِبُ الشَّرْع ، كفُرُوعِ الأَحْكَام.
فإِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ في أَمْرٍ غيْرِ الَّذِي يَخْتَصُّ بالنَّبِيِّ بَيَانُه ، فهو مُخَيَّر بَيْنَ أَنْ يُبَيِّنَ وبَيْنَ أَنْ لا يُبَيِّنَ ، حَسْبَ ما يَقْتَضِيه اجْتِهَادُه وحِكْمَتُه. وأَمّا الشَّاعِرُ فَإِنّهُ عَنَى نَفْسَهُ.
والمَعْنَى إِلاّ أَنْ يَتَدَارَكَنِي المَوْتُ ، لكِنْ عَرَّضَ ولَمْ يُصَرِّح تَفَادِياً من ذِكْرِ مَوْتِ نَفْسِه ، فتَأَمَّلْ.
[بغض] : البُغْضُ بالضَّمِّ : ضِدُّ الحُبِّ ، نَقله الجَوْهَرِيّ.
قال شيْخُنَا ، ضِدُّ الحُبِّ يَلْزَمُه العَدَاوَةُ في الأَكْثَر ، لا أَنَّهما
__________________
(١) سورة غافر الآية : ٢٨.
(٢) من معلقته ، وصدره :
ترك أمكنةٍ إذا لم أرضها
(٣) الأصل واللسان وفي التهذيب : إلزام الحجة.
(٤) كذا بالأصل واللسان ، والعبارة في التهذيب : «وليس في هذا نفي إصابة الكل. ومثله قول القطامي :
قد يدرك المتأنيّ بعض حاجته |
|
وقد يكون مع المستعجل الزلل |
وإنما ذكر البعض ...».
(٥) سورة الزخرف الآية ٦٣.
(٦) انظر المفردات للراغب «بعض».
(٧) سورة يونس الآية ١٠١.
(٨) سورة الأعراف الآية ١٨٥.