قائمة الکتاب

    إعدادات

    في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
    بسم الله الرحمن الرحيم

    تاج العروس [ ج ٦ ]

    396/562
    *

    [درر] : الدَّرُّ ، بالفَتْح : النَّفْسُ. ودَفَع الله عن دَرِّه ، أَي عن نَفْسه ، حكاه اللِّحيانيّ.

    والدَّرُّ : اللَّبَنُ ما كان. قال :

    طَوَى أُمَّهاتِ الدَّرِّ حتّى كأَنَّها

    فَلَافِلُ هِنْديٍّ فهُنَّ لُزُوقُ

    أُمَّهاتُ الدَّرِّ : الأَطْباءُ.

    وفي الحديث : «أَنه نَهَى عن ذَبْح ذَواتِ الدَّرِّ» أَي ذوات اللَّبَن. ويجوز أَن يكون مصدر دَرَّ اللَّبنُ إِذَا جَرَى. ومنه‌الحَدِيث : «لا يُحْبَس دَرُّكُم» ، أَي ذواتُ الدَّرِّ. أَراد أَنها لا تُحشَر إِلى المُصَدِّق ولا تُحْبَسُ عن المَرْعَى إِلى أَن تَجْتَمِع الماشِيَةُ ثم تُعَدّ ، لِمَا في ذلك من الإِضرار بها. كالدِّرَّةِ ، بالكَسْرِ.

    والدِّرَّة أَيضاً والدَّرُّ : كَثْرَتُه وسَيَلانُه. وفي حديث خُزَيمة : «غَاضَتْ لها الدِّرّة» ، وهي اللَّبَن إِذا كَثُرَ وسال ، كالاسْتِدْرارِ يقال : استدَرَّ اللَّبَنُ والدَّمعُ ونحوُهما : كَثُرَ. قال أَبو ذُؤَيب :

    إِذا نَهَضَتْ فيه تَصَعَّدَ نَفْرَهَا

    كقِتْرِ الغِلَاءِ مُسْتدِرٌّ صِيَابُهَا

    استعار الدَّرّ لشِدَّةِ دَفْعِ السِّهَامِ.

    ودَرَّ اللَّبَنُ والدَّمْعُ يَدُرُّ ، بالضَّمّ ويَدِرُّ ، بالكَسْر ، دَرًّا ودُرُوراً ، وكذلك النَّاقَةُ إِذا حُلِبَت فأَقبلَ منها على الحالِب شَيْ‌ءٌ كَثِيرٌ قِيل : دَرَّتْ ، وإِذا اجتمعَ في الضَّرْع من العُروق وسائر الجَسَدِ قيل : دَرَّ اللَّبَن. والاسمُ الدَّرَّةُ ، بالكَسْرِ وبالفَتْح أَيضاً ، كما في اللّسَان. وبهما جاءَ المَثَل : «لا آتِيكَ ما اخْتلفَت الدَّرَّة والجِرَّة» واخْتلافهما أَنَّ الدِّرَّة تَسْفُلُ والجِرَّةَ تَعْلُو ، وقد تقدّم.

    وعن ابن الأَعرابيّ : الدَّرُّ : العَمَلُ من خَيرٍ أَو شَرٍّ. ومنه قولهم : لله دَرُّهُ ، يكون مَدْحاً ، ويكون ذَماًّ ، كقولهم : قاتَلَه الله ما أَكْفَرَه ، وما أَشْعَره ، ومعناه أَي لله عَمَلُه ، يقال هذا لِمَن يُمْدَح ويُتَعَجَّب من عَمَلِه. وإِذا ذُمَّ عَملُه قيل : لَا دَرَّ دَرُّه ، أَي لا زَكَا عَمَلُه ، وكُلُّ ذلك على المَثَلِ. وقِيل : لله دَرُّك مِن رَجُلٍ. معناه لله خَيرُكَ وفعَالُك. وإِذَا شَتَمُوا قالوا : لا دَرَّ دَرُّه ، أَي لا كَثُرَ خَيْرُه. وقيل : لله دَرُّك ، أَي لله ما خَرَجَ منك من خَيْر. قال ابن سَيدَه : وأَصلُه أَنّ رَجُلاً رأَى آخَرَ يَحلُبُ إِبِلاً ، فتعَجَّب من كَثْرةِ لَبَنِهَا ، فقال : لله دَرُّك.

    وقيل : أَراد لله صالِحُ عَمَلِك ، لأَنَّ الدَّرَّ أَفضلُ ما يُحْتَلَب.

    قال بعضهم : وأَحسبَهُم خَصُّوا اللَّبَن لأَنَّهُم كانُوا يَفْصِدُون النَّاقَةَ فيَشْربُون دَمَهَا ويفْتَظُّونهَا (١) فيشربون ماءَ كَرشِها ، فكان اللَّبَنُ أَفضَلَ ما يَحْتَلِبُون.

    قال أَبو بكْرِ : وقال أَهلُ اللُّغَة في قَوْلهم : لله دَرُّه.

    الأَصْلُ فيه أَن الرَّجلَ إِذا كَثُرَ خَيْرُهُ وعَطَاؤُه وإِنَالَتُه النَّاسَ قيل : لله دَرُّه ، أَي عَطَاؤُه وما يُؤْخَذُ منه ، فشَبَّهوا عَطَاءَه بدَرِّ النّاقَةِ ، ثمّ كَثُرَ استِعْمَالُهُم حَتَّى صارُوا يَقُولُونه لكلّ مُتعجَّب مِنْه.

    قلْت : فعُرِفَ ممّا ذَكرْناه كُلّه أَن تَفْسِير الدَّرِّ بالخَيْر والعَطَاءِ والإِنَالَة إِنّما هو تفسيرٌ باللازم ، لا أَنَّه شَرْحٌ له على الحَقِيقَة ؛ فإِن الدَّرَّ في الأَصل هو اللَّبَن ، وإِطلاقُه على ما ذُكِرَ تَجَوُّز ، وإِنما أُضِيف للهِ تعالى إِشارَةً إِلى أَنه لا يَقدِر عليه غَيْرُه. قال ابنُ أَحمر :

    بانَ الشَّبَابُ وأَفْنَى دَمْعَه العُمُرُ

    لله دَرِّيَ أَيَّ العَيْشِ أَنْتَظِرُ (٢)

    تعَجَّب من نَفْسه.

    قال الفَرّاءُ : وربما استَعْمَلُوه من غير أَن يقولوا : لله ، فيَقُولون : دَرَّ دَرُّ فُلانٍ.

    وأَنشد للمُتَنَخِّل :

    لا دَرَّ دَرِّي إِنْ أَطْعَمْتُ نازِلَهمْ

    قِرْفَ الحَتِيِّ وعنْدِي البُرُّ مَكْنوزُ

    ودَرَّ النَّبَاتُ دَرًّا : الْتَفَّ بعضُه مع بعض لكَثْرته. ودَرَّت الناقَةُ بِلَبَنِها تَدُرّ وتَدِرّ بالضَّمّ ، والكَسْرِ ، الأَوّلُ على الشُّذُوذ

    __________________

    (١) يقال : افتظ الكرش : شقها.

    (٢) بهامش المطبوعة المصرية : «قوله : وأفنى دمعه ، لعله محرف عن ريعه بمعنى أفضله وأحسنه وأوله كريعانه ، قال الشاعر :

    قد كان يلهيك ريعان الشباب فقد

    ولى الشباب وهذا الشيب منتظرُ

    وقوله أي العيش هكذا بخطه والذي في اللسان فأي العيش فلعلها رواية أخرى اه» ومثله بهامش اللسان. وقال بآخره : والصواب : وأفنى ضِعْفَه ...