تشتهيه النفس وهي منجذبة إليه وأمّارة به كانت في تحصيله أعمل وأجد فجعلت لذلك مكتسبة فيه ولما لم تكن كذلك في باب الخير وصفت بما لا دلالة فيه على الإعمال » (١) إلاّ أنّ هذا الفرق غيردقيق حيث جاء الاستعمال القرآني للفعلين ( كسب واكتسب ) تارة للخير وأخرى للشرّ (٢) وهو ما نقله الرازي في تفسيره « الصحيح عند أهل اللغة أن الكسب والاكتساب واحد لا فرق بينهما ... والقرآن ناطق بذلك » (٣).
نرجع مرّة أخرى إلى الدعاء ونرى السؤال والطلب بالنداء ( ربّنا ) تكرّر مع الدعاء بصيغة النهي مرّات ثلاث في عدم المؤاخذة على النسيان أو الخطأ أي « لا تعاقبنا إن عصينا جاهلين أو متعمّدين » (٤) كما روي ذلك عن ابن عباس أو أن المراد بالنسيان ـ وله عدّة وجوه في التفسير ـ أننا « لم نفعل فعلاً يجب فعله على سبيل السهو والغفلة. أو أخطأنا : أي فعلنا فعلاً يجب تركه من غير قصد ويحسن هذا في الدعاء على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى وإظهار الفقر إلى مسألته والاستعانة به وإن كان مأمون المؤاخذة بمثله » (٥)
ثم توسّل المؤمنون إلى الله تعالى أن لا يحمل عليهم عهوداً ثقيلة كما أوجبها على غيرهم من الأمم السابقة ولا يحمّلهم ما لا طاقة لهم به.
ومن اللطيف أن يأتي الفعل ( تحمل ) مخفّفاً مرّة ومشدّداً ( تحمّلنا ) مرّة أخرى : أي أنّه خصّ الأمر أو العهد الثقيل بالحمل بينما ما لايمكن حمله خصّه
__________________
(١) الكشاف ٣٣٢ : ١.
(٢) ظ : الآيات التالية : الأعرا : ٧ / ٩٦ يونس : ١٠ / ٥٨ النساء : ٤ / ٣٥ ١١١ ـ ١١٢.
(٣) مفاتيح الغيب ١٥٢ : ٧.
(٤) مجمع البيان ٣٩٠ : ١ ظ : جامع البيان ١٥٥ : ٣ مفاتيح الغيب ١٥٤ : ٧.
(٥) مجمع البيان ٣٩٠ : ١.