بمجرّد الغرور وإن لم يلحقه ضرر ، كما فيما نحن فيه بمقتضى الفرض ، لاستيفائه المنفعة في مقابلة ما غرمه ، والإجماع على هذه الكلّيّة غير ثابت بحيث يشمل نحو مفروض المسألة ، نعم ربّما يتوجّه الرجوع حيث يتصوّر له الضرر بالغرور ، كما إذا اخذت منه قيمة المنافع أزيد ممّا يبذله هو في مقابلتها من غير ملكه ونحو ذلك» (١) انتهى.
وظاهره انحصار دليل ضمان البائع في قاعدة الغرور وأنّ مدرك هذه القاعدة قاعدة نفي الضرر.
وردّ بأنّ المستفاد من كلمات الأصحاب أنّها قاعدة اخرى غير مبتنية على الضرر ، فتراهم يتمسّكون بها في موارد لا يتحقّق فيها ضرر كما في خيار العيب ، فإنّ كلّ عيب لا يعدّ ضرراً بل ربّما يعدّ نفعاً ويوجب منافع كما لو اشترى عبداً فخرج خصيّاً فإنّ الخصاء ربّما يوجب زيادة القيمة ويكون مرغوباً إليه ومطلوباً للعقلاء ، وكما لو زوّج الأبرص ببرصاء وهو مغرور فيه وغير عالم بكونها برصاء فإنّه عيب يوجب خياراً له مع عدم كونه ضرراً في العرف والعادة.
وقد يستدلّ للمشهور وهو ضمان البائع الغارّ لما غرمه المشتري المغرور بقاعدتهم المعروفة من «أنّ السبب أقوى من المباشر» فإنّ إتلاف المنافع وإن كان بمباشرة المشتري غير أنّه لمّا كان مغروراً فكان إتلافه مسبّباً عن البائع ، فكان البائع هو السبب الّذي هو أقوى من المباشر فيغرم بما غرم به المباشر ، لأنّ الفعل في الحقيقة راجع إليه ، نظير ما لو دفع غاصب مال الغير إليه بدعوى أنّه ملكه فوهبه له أو أباحه له ليأكله فأكله ثمّ تبيّن كونه مال الغير فجاء المالك وأخذ منه القيمة ، فله الرجوع على الغاصب الغارّ لأنّه السبب في إتلافه.
وقد يستدلّ أيضاً : على ضمانه بقاعدة الضرر ، فإنّ تغريم من أقدم على إتلاف شيء من دون عوض مغروراً من آخر بأنّ له ذلك مجّاناً من دون الحكم برجوعه على من غرّه في ذلك ضرر عظيم ، ومجرّد رجوع عوضه إليه لا يدفع الضرر ، وكيف كان فصدق الضرر وإضرار الغارّ به ممّا لا يخفى خصوصاً في بعض الموارد.
__________________
(١) الرياض ١٤ : ٤٧.