ثمّ إنّ العبرة في كون المال المبذول للحكم رشوة بقصد المعطي لا الآخذ ، فإن أعطاه لغرض أن يحكم له وأخذه الحاكم لا بهذا القصد كان من الرشوة المحرّمة ، حتّى أنّه لو اطمأنّ على نفسه بأنّه لا يزلّ في مقام الحكم ولا يميل نفسه إلى باذل المال كان رشوة محرّمة أيضاً ، لصدق الاسم وإطلاق كلام أهل اللغة والفقهاء في تفسيرها. نعم حرمة أخذه مقصورة على ما لو علم الآخذ بقصد المعطي ، فلو جهل ولو بكونه ظانّاً أو شاكّاً لا ضير في أخذه ، لعموم أصل البراءة في الشبهات الموضوعيّة وإن كان التحلّي بحلية التقوى وسلوك طريق الاحتياط يقتضي أولويّة تجنّبه.
ثمّ إنّه قد ظهر من تضاعيف كلماتنا المتقدّمة أنّ الرشوة كما يحرم أخذها على الحاكم وهو المرتشي ، فكذا يحرم إعطاؤها على الراشي ، كما هو المصرّح به في كلام الأصحاب بل عليه الإجماع ظاهراً ، ويدلّ عليه من النصوص ما تقدّم (١) من لعن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم «الراشي والمرتشي» وفي كلام جماعة (٢) تعليلها في الراشي بكونه إعانة على الإثم ، وإن كان في أصله أو اطّراده موضع نظر. ويستثنى الإعطاء من الحرمة فيما لو كان المعطي محقّاً وتوقّف الوصول إلى حقّه بإعطاء الرشوة ، فيجوز إعطاؤها حينئذٍ للراشي وإن حرم أخذها على المرتشي ، كما هو المصرّح به في كلام جماعة منهم الحلّي (٣) فيما تقدّم من عبارته ، وإطلاقها بالقياس إلى صورة عدم توقّف الوصول إلى الحقّ منزّل على صورة التوقّف. ودليل الاستثناء حينئذٍ قاعدة نفي الضرر الحاكمة على سائر الأدلّة الخاصّة الّتي منها ما نحن فيه.
ثمّ إنّ المصرّح به في كلام جماعة جريان الرشوة في غير الحكم من الغايات الاخر الّتي يتوصّل إليها ببذل مال حقّاً كانت الغاية المقصودة أو باطلاً ، وهذا صريح ما تقدّم من كلام المصباح المنير كما في المجمع أيضاً ، وربّما نسب إلى النهاية الأثيريّة أيضاً.
وخصّه في شرح القواعد بما لو كانت الغاية باطلة ، وقد سمعت تمام عبارته وموضع البحث منه قوله : «بل هو البذل على الباطل أو على الحكم حقّاً أو باطلاً» (٤).
وهذا جيّد ، لمنع إطلاق الرشوة على ما كان لتمشية حقّ وهو الغاية المباحة ، كما
__________________
(١) تقدّم في الصفحة : ٣٩٤.
(٢) كما في الرياض ٨ : ١٨٢ ، الشرائع ٢ : ١٢.
(٣) السرائر ٢ : ٢١٧.
(٤) شرح القواعد ١ : ٢٧.