والروايتان لقصور سنديهما بل ضعف سند الثانية بالحسن بن عليّ بن أبي حمزة وأبيه ، وقصور دلالتيهما نظراً إلى ظهور الكراهة في أخبار أهل بيت العصمة في الحرمة باعتبار كونها بمعنى المبغوضيّة لا تنهضان لتخصيص دليل المنع إلّا لجابر ينجبر به القصور والضعف سنداً ودلالة ، ولا يكون في نظائر المقام إلّا الشهرة المحقّقة الاستناديّة ، وتحقّقها فيما نحن فيه غير واضح ، فالمسألة موضع تأمّل وإن كان المنع لا يخلو عن قوّة.
الرابعة : يجوز الاكتحال بكحل متّخذ من الخمر للتداوي عند الضرورة لا للزينة ولا للتداوي من غير ضرورة ، كما عليه الشيخ (١) وجماعة كما في كاشف اللثام (٢) ونسبه في المسالك (٣) إلى الأكثر ، لعموم قاعدة الاضطرار الّذي مداره على العلم بانحصار العلاج فيه ، وخصوص ما رواه هارون ابن حمزة الغنوي في الحسن عن أبي عبد الله عليهالسلام «في رجل اشتكى عينيه ، فنعت له كحل يعجن بالخمر ، فقال : هو خبيث بمنزلة الميتة ، فإن كان مضطرّاً فليكتحل به» (٤).
خلافاً لابن إدريس (٥) فمنعه مطلقاً ، لإطلاق النصّ والإجماع بتحريمه الشامل لما نحن فيه ، ولقوله عليهالسلام «ما جعل الله في محرّم شفاء» (٦) وخبر مروك بن عبيد عن رجل عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «من اكتحل بميل من مسكر كحّله الله بميل من نار» (٧).
ويقيّد الجميع بحال الضرورة ، لما عرفت مع ضعف سند الأخير بالإرسال فلا يقاوم لمعارضة الحسن ، ومعنى «ما جعل الله في محرّم شفاء» أنّه لم يأذن في الاستشفاء به إخراجاً له عن وصمة الكذب ، وقاعدة الاضطرار حاكمة عليه لأنّها بمضمونها متعرّضة لبيان مقدار موضوع المنع من الاستشفاء وهو غير المضطرّ.
الخامسة : اختلف الأصحاب في جواز التداوي بالخمر شرباً أو أكلاً أو طلياً
__________________
(١) المبسوط ٦ : ٢٨٨.
(٢) كشف اللثام ٩ : ٣٢٣.
(٣) المسالك ٢ : ٢٥٢.
(٤) الوسائل ٢٥ : ٣٥٠ / ٥ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٤ / ٢٩٣.
(٥) السرائر ٣ : ١٢٦.
(٦) الوسائل ٢٥ : ٣٤٩ / ١ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، التهذيب ٩ : ١١٣ / ٤٩١.
(٧) الوسائل ٢٥ : ٣٤٩ / ٢ ، ب ٢١ الأشربة المحرّمة ، الكافي ٦ : ٤١٤ / ٧.