الحكم ببيان مدركه.
أمّا الأوّل فكونه غيبة إمّا باعتبار ما تضمّنه من إثبات نسب آخر له غير المنفيّ لكونه نسباً وضيعاً إثباته له وقيعة فيه وكشف لمنقصته فلا يرضى به ويسوؤه ، أو باعتبار نفسه نظراً إلى أنّ نفي ما ادّعاه لنفسه على خلاف الواقع تكذيب له وإظهار لكذبه فيكون وقيعة فيه ، بناءً على أنّ الكذب هو الخبر الغير المطابق للواقع خالف الاعتقاد أو لا كما هو المشهور ، وأمّا على مذهب النظام والجاحظ فلا يكون كذباً إلّا إذا خالف الاعتقاد ، فنفيه فيمن ادّعاه وهو معتقد ثبوته له على خلاف الواقع ليس تكذيباً له نعم هو تخطئة له ، والخطأ في الاعتقاد أيضاً نوع نقص وعيب لا يرضى الإنسان إظهاره والكشف عنه لغيره فيكون غيبة. وقد يجتمع الاعتباران فيكون النفي غيبة باعتبار نفسه وباعتبار ما تضمّنه. والأوّل غير مطّرد لأنّ المدّعي للنسب قد يدّعي لنفسه نسباً شريفاً وأنت تنفيه وتثبت له نسباً وضيعاً أو متوسّطاً ، وقد يدّعي نسباً متوسّطاً وأنت تنفيه وتثبت له نسباً شريفاً أو وضيعاً ، وقد يدّعي نسباً وضيعاً وأنت تنفيه وتثبت له نسباً شريفاً أو متوسّطاً ، وقد يدّعي نسباً وأنت تنفيه وتثبت له ما يساويه ، ولا يكون باعتبار ما تضمّنه غيبة إلّا في بعض هذه الصور كما لا يخفى. بخلاف الثاني فإنّه مطّرد ، ولعلّ نظر الجماعة في إطلاق القول بكون نفي النسب غيبة إلى هذا الاعتبار وإن كان قد يجتمع معه الاعتبار الأوّل أيضاً.
وأمّا الثاني فاستدلّ على الجواز بالسيرة ، وبأنّ مراعاة مصلحة حفظ الأنساب أولى من مراعاة مصلحة الستر على المؤمن.
ويشكل الأوّل بأنّ السيرة مجملة وكونها بحيث تكشف عن رضا المعصوم باستغابة المؤمن وإشاعة سرّه للناس غير معلوم. والثاني بمنع الأولويّة إذ لم يثبت بدليل عامّ وجوب حفظ الأنساب على المكلّفين على وجه يكون مفسدة تركه بقول مطلق في نظر الشارع أقوى من مفسدة الوقيعة في المؤمن وإشاعة سرّه.
ولو استند في ذلك إلى كون صيانة الأنساب من المقاصد الخمس الباعثة على جعل الأحكام وتأسيس الشرائع من أنواع العبادات والمعاملات والحدود والديات وهي صيانة الأموال والنفوس والعقول والأديان والأنساب.