الماليّة كون أخذ الثمن أكلاً للمال بالباطل ، ولا ينافيه ما قد يبذل العقلاء مالاً لتحصيل ذي الخاصيّة من الحشرات بصورة الاشتراء ونحوه لأنّه لرفع يد المتصرّف عنه وإسقاط حقّه. وأمّا التأييد بالرواية ففيه المنع ، لظهور الصلاح لهم في المصلحة المقصودة للعباد بدليل ضمير الجمع الظاهر في جميعهم.
كما يندفع أيضاً ما قد ينقض تعليل المنع في ذوات المنافع النادرة من الحشرات وغيرها بندرة منافعها بالعقاقير وغيرها من الأدوية للاشتراك في الندرة ، لما بيّنّاه سابقاً من ضابط غلبة النفع وندرته ، فالخاصيّة وإن كانت متّحدة بحسب النوع فيهما إلّا أنّها في العقاقير مقصودة للعقلاء وفي الحشرات غير مقصودة لهم.
تذنيبات :
أحدها : انّ عدم الانتفاع بالشيء فيما لا ينتفع به قد يكون لعدم وجود منفعة مقصودة للعقلاء في نوع ذلك الشيء لخسّته كالحشرات على ما تقدّم ، وقد يكون لعدم حصول المنفعة المقصودة من النوع فيه لقلّته كالحبّة من الحنطة والعودة من الحطب وما يقرب منهما ، وهما سيّان في منع التكسّب كما صرّح به جماعة (١) وهو ظاهر آخرين ، إمّا لإطلاق ما لا ينتفع به في معاقد فتاويهم وإجماعاتهم ، أو تعليلاتهم للحكم بعدم القيمة وانتفاء الماليّة ، ومن ذلك ما سمعت من التذكرة من تعليل الحكم «بعدم التفات نظر الشارع إلى مثلها في التقويم» نظراً إلى أنّ المراد به عدم قيمة لها التفت إليها الشارع كما يكشف عن إرادة ذلك ما في ذيل العبارة من قوله : «فإنّها مع ذلك لا تعدّ مالاً» ونحوه ما تقدّم في عبارة المبسوط من تعليل عدم جواز بيع ما ينفصل من الإنسان من الفضلات المدّعى عليه الإجماع «بأن لا ثمن له أي لا قيمة له» (٢) في العرف والعادة. وهذه التعليلات كما ترى تجري في نحو الحبّة والعودة.
فإن قلت : جريان التعليلات هنا محلّ منع ، لوضوح الفرق بين ما لا ينتفع به لقلّته والحشرات ، فإنّ الأوّل له قيمة في الواقع وإن لم يكن لقيمته مصداق في الخارج وذلك
__________________
(١) كما في الغنية : ٢١٣ ، السرائر ٢ : ٣٣٢ ، الإرشاد ١ : ٣٥٧ ، مجمع البرهان ٨ : ٥٣ ، المسالك ١ : ١٦٥.
(٢) المبسوط ٢ : ١٦٧.