وترك تفاصيل أحكام الصلاة والزكاة والحج ، وهي تستغرق مجلدات ضخمة من الفقه في التفسير والتبيين والشرح من جانب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأهل بيته عليهمالسلام الذين أورثهم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم علم الكتاب والشريعة من بعده كما في حديث الثقلين. (١)
كما أن القرآن ذكر طائفة من العمومات والمطلقات دون أن يذكر تخصيصا أو تقييدا لها ، وترك بيان التخصيص والتقييد لرسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وخلفائه من بعده عليهمالسلام الذين ورثوا علمه.
ومن هذه العمومات قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) وهي تعم كل المطلقات ، وقد ورد في السنة الشريفة تخصيص هذا العام بالمدخول بهن فقط.
وقوله تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) (٣) وهذا العموم يختص بالرجعيات ، أما غير الرجعيات من المطلقات فلا أولوية لبعولتهن بهن ، وهذا التخصيص وارد في التفسير.
ومن المطلقات التي ورد تقييدها في التفسير من الحديث الشريف قوله تعالى : (مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٤) وإطلاق هذه الآية الكريمة مقيد في الروايات بما إذا لم يتب وكأنه قد قتله لإيمانه.
عن سماعة ، قال : قلت له : قول الله تبارك وتعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ).
قال : «المتعمد الذي يقتله على دينه ، فذاك التعمد الذي ذكر الله».
قال : قلت : فرجل جاء إلى رجل فضربه بسيفه حتى قتله لغضب لا لعيب على دينه ، قتله وهو يقول بقوله؟
قال : «ليس هذا الذي ذكر في الكتاب ، ولكن يقاد به والدية إن قبلت».
قلت : فله توبة؟ قال : «نعم ، يعتق رقبة ، ويصوم شهرين متتابعين ، ويطعم ستين مسكينا ، ويتوب ويتضرع فأرجو أن يتاب عليه». (٥)
الوجه الثاني : أن القرآن الكريم طرح أنظمة كاملة للتصورات والمفاهيم والأحكام ، وليس ما في القرآن أحكاما متناثرة ومختلفة ، بل إن هذه التصورات والمفاهيم عند ما ينتظم عقدها في سلسلة واحدة تشكل نظاما مترابطا ، منسجما ، متكاملا. كل حلقة منه تكمل الحلقة التي تليها ، وهي مجتمعة تقدم للإنسان نظاما كاملا للتفكير
__________________
(١) وذلك في قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي : كتاب الله وعترتي أهل بيتي». أنظر مسند أحمد ٤ : ٣٦٧ و ٣٧١ و ٥ : ١٨٢ و ١٨٩ ، سنن الدارمي ٢ : ٤٣١ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٣ / ٣٦ و: ٤٧٨١ / ٣٧ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٦ و ٣٧٨٨ ، مستدرك الحاكم ٣ : ١٤٨ ، مصابيح السنة ٤ : ١٩٠ / ٤٨١٦.
(٢) البقرة ٢ : ٢٢٨.
(٣) البقرة ٢ : ٢٢٨.
(٤) النّساء ٤ : ٩٣.
(٥) تفسير العياشي ١ : ٢٦٧ / ٢٣٦ ، وللتوسّع في هذا البحث راجع مجلة رسالة القرآن العدد (٦) ، التفسير نشأته وتطوّره للشيخ محمّد هادي معرفة.