تقرّر في محلّه ـ فيجري في الجاري لوجودها فيه ، ومقتضى التعليل على الأوّلين نفس المدّعى ، وهو عدم انفعال الجاري بدون التغيّر ، وعلى الثالث ما يستلزمه ، لأنّ زوال النجاسة بواسطة المادّة يستلزم العصمة عن الانفعال بها ، لكون الدفع أهون من الرفع ، وهذا محكيّ عن مصابيح السيّد الطباطبائي (١) ، وفي كلام جماعة ما يقرب من ذلك.
والجواب عنه : منع اقتضاء مجرّد زوال التغيّر بالنزح ـ المعلّل بوجود المادّة ـ حصول الطهر ، لجواز كون المطهّر هو مع شيء آخر من إلقاء كرّ ونحوه ، وقد علم به الراوي من الخارج فلم يبيّنه الإمام عليهالسلام ، وإنّما بيّن له طريق إزالة التغيّر ، فتأمّل. مع إمكان أن يقال : بورود التعليل مورد الغالب في الآبار من بلوغ مائها كرّا بل كرورا ، كما يومئ إليه قوله عليهالسلام : « ماء البئر واسع » بناء على أنّه كناية عن كثرة الماء ، أو مراد به اتّساعه بحسب المقدار ، والطهر المستفاد منها لعلّه من جهة أنّ الكرّ يطهّر بمجرّد زوال تغيّره كما هو أحد القولين في المسألة ، فحينئذ لو استلزم ذلك عصمته عن الانفعال بها من غير تغيّر فإنّما يستلزمه لكونه كرّا لا لكونه ذا مادّة ، والمادّة إنّما اعتبرت على الاحتمال الأخير معدّة لزوال التغيّر الّذي هو المطهّر ، أو سببا لتحقّق نزح المتغيّر مع اشتمال المحلّ على الماء بعد تفريغ المتغيّر عنه ، مع إمكان أن يكون وجود المادّة إنّما اعتبر جزءا لسبب التطهير ، المركّب منه ومن النزح المزيل للتغيّر ، أو المجموع منه ومن زوال التغيّر ، ولا يلزم منه كونه علّة تامّة للعصمة عن الانفعال كما لا يخفى ، فدعوى : كون الدفع أهون من الرفع ـ مع كونها رأسا محلّ تأمّل ـ ممّا لا يجدي نفعا هنا ، لكون الرافع شيئا لا يوجد في صورة الدفع.
نعم ، لو وجّه الاستدلال بما قد يقال أيضا : من أنّ التعليل إن رجع إلى الحكم الأوّل فيدلّ على عدم انفعال كلّ ذي مادّة بما عدا التغيّر ، وإن رجع إلى الحكم الثاني فيدلّ على أنّ كلّ ذي مادّة متغيّرة يرتفع نجاسته بزوال تغيّره بتجدّد الماء عليه من المادّة بل مطلق الزوال ، وهذا ممّا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة ، كان أوجه ممّا ذكر.
ولكن يدفعه أيضا : منع المنافاة بين الحكمين ، بجواز قبول قليله الانفعال وكون ما ذكر طريقا إلى تطهيره ، كما عليه مبنى القول بانفعال ماء البئر ، غاية الأمر أنّ النزح على تقدير عدم التغيّر لا يعلّق بزوال التغيّر ، بل له حينئذ حدّ مقرّر في الشريعة ، والمفروض أنّ
__________________
(١) المصابيح في الفقه ـ كتاب الطهارة ـ (مخطوط) الورقة : ٥٦.