لنا : على الطهارة ـ مضافا إلى ما ذكر من القواعد ـ أنّ عروض النجاسة له ـ بعد قيام الدليل عموما وخصوصا على أنّ الماء من حكمه بحسب خلقته الأصليّة الطهارة ، وعلى انحصار سبب عروض النجاسة في التغيّر مطلقا ، والملاقاة للنجاسة مع القلّة ـ ممّا لا يعقل بلا تحقّق سببه ، والمفروض منه.
وعلى المطهّريّة من القواعد القاعدة المستفادة من الأدلّة الشرعيّة عموما وخصوصا ، القاضية بأنّ ما جامع وصفي الإطلاق والطهارة مطهّر عن الخبث والحدث صغيرا وكبيرا ما لم يصادفه مانع كالمغصوبيّة ونحوها وهذا منه ، لعدم قيام الدلالة الشرعيّة من كتاب ولا سنّة ولا غيرهما على مانعيّة عروض الاستعمال ورفع الحدث الأصغر له ، من غير فرق في ذلك بين المستعمل في المرّة الاولى ، والمستعمل في المرّة الثانية المستحبّة ، أو في المضمضة ، والاستنشاق ، أو التجديد ، خلافا في الثاني والثالث والرابع للشافعيّة (١) ، المنسوب إليهم أنّ لهم فيها وجهين :
أحدهما : ذلك لأنّه لم يؤدّه فرضا ، والثاني : المنع لأنّه مستعمل في الطهارة ، فإنّ فساد المدرك يقضي بفساد المذهب ، وتأديته فرضا أو ندبا ممّا لا حكم له في الشريعة ، كما أنّ الماء لم يحدّد له في الشرع فعل فضلا عن انحصاره في فعلين.
فما عن الشافعيّة ـ أيضا ـ في إزالة الخبث بماء الوضوء من الوجهين ، « أحدهما : جواز ذلك ، لأنّ للماء فعلين رفع الحدث وإزالة الخبث ، فإذا رفع الحدث بقي تطهير الخبث.
والثاني : المنع وهو المشهور عندهم ، لأنّه مائع لا يزيل الحدث فلا يرفع الخبث كسائر المائعات ، وليس للماء فعلان بل فعل واحد ، وهو رفع أحدهما ، إمّا الحدث أو الخبث لا بعينه ، فأيّهما حصل زالت طهوريّته » (٢) متّضح البطلان لابتناء كلّ ذلك على قياس أو استحسان ، ولا نقول بشيء منهما.
مضافا إلى أنّ القول بأنّ الماء له فعلان ، إن اريد به المرّة فهو دعوى يبطلها ظواهر النصوص كتابا وسنّة ، القاضية بأنّ له وصف الطهوريّة بحسب الماهيّة ، فإنّ إطلاق قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) (٣) يقضي بأنّ الثابت له إنّما هو ماهيّة وصف الطهوريّة ، وصرف ذلك إلى إثبات فرد من هذا الوصف له يحتاج إلى دلالة معتبرة من
__________________
(١ و ٢) منتهى المطلب ١ : ١٣٢.
(٣) الفرقان : ٤٨.