فعسى أن يَجُرَّ بِها بإِضمارِ (مِنْ) كما جازَ ذلِكَ فيما ذَكَرْنا فى (كَمْ) ، قالَ : وقالَ الخَلِيلُ : (كَأيِّنْ) عَمِلَتْ فيما بعدَها كَعَمَلِ أَفضَلِهم فى رَجُلٍ ، فصارَ (أيّ) بمَنْزِلَةِ التَّنْوينِ ، كما كانَ (هُم) مِن قَولهم : أَفضَلهم بمنزلةِ التَّنوينِ ، قال : وإنما تَجِىءُ الكافُ للتَّشبِيهِ فَتَصِيرُ هى وما بَعْدَها بمَنْزِلَةِ شىءٍ واحدٍ.
و (كاءٍ) بمَنْزِلَةِ (كاعٍ) مُغَيَّرٌ مِنْ قَولِهم : كَأَيِّنْ ، قالَ ابنُ جِنّى : إن سَأَلَ سَائِلٌ فقالَ : ما تقولُ فى (كائنْ) هَذِه؟ وكيفَ حالُها؟ وهَلْ هِىَ مُرَكَّبَةٌ أو بَسِيطَةٌ؟ فالجَوَابُ أنها مُرَكَّبةٌ ، قالَ : والذى عَلَّقْتُهُ عن أبى عَلىٍّ أن أصْلَهَا كَأَىٍ ، كقولِه تعالىَ : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) [الحج : ٤٨] ثم إنَّ العربَ تصرَّفَتْ فى هذه الكَلِمَةِ لكثرةِ استعمالِهَا إيَّاها ، فقُدِّمَتِ اليَاءُ المُشَدَّدَةُ وأُخِّرَتِ الهمزةُ ، كما فَعَلَتْ ذلكَ فى عدَّةِ مواضعَ نحوَ : قِسِىٍّ وأَشْيَاءَ ـ فى قولِ الخليلِ ـ وشَاكٍ ولاثٍ ونحوِهما ـ فى قولِ الجَمَاعَةِ ـ وجاءٍ وبَابهِ ـ فى قولِ الخليلِ أيضًا ـ وغيرِ ذلك ، فصارَ التَّقدِيرُ فيما بعدُ كَيَّاءٍ (١) ثم إنهم حذَفُوا ـ الياءَ الثَّانِيَةَ تخفِيفًا كما حَذَفُوها فى نَحْوِ : مَيِّتٍ وهَيِّنٍ ولَيّنٍ فصارَ التقديرُ : كَىْءٍ ، ثم إنهم قَلَبوا الياءَ ألفًا لانفِتاحِ ما قَبْلَها كما قَلَبُوها فى طَائِىٍّ وحارِىٍّ وآيَةٍ ، فى قولِ الخليلِ فصارَتْ : كَاءٍ (٢).
وفى كَأَيٍ (٣) لُغَاتٌ ، يقالُ : كَأَيٍ (٤) وكائِنْ وكَأْيٌ (٥) ـ بوَزْنِ رَمْىٍ ـ وَكَإٍ بوَزْنِ عَمٍ ـ ، حكى ذلك أحمدُ بنُ يَحْيَى ، فمن قالَ : كَأَيٍ (٦) فهى (أَىٌّ) دَخَلَتْ عليها الكافُ ، ومن قالَ : كاءٍ (٧) فقد شَرَحْنَا أمرَهَا ، ومن قالَ : كَأْيٌ (٨) ـ بَوزْنِ رَمْىٍ ـ فأشبَهُ ما فيه أنه لما أصارَهُ التَّغيِيرُ على ما ذكرنا إلى كَىْءٍ قدم الهمزةَ وأخَّرَ الياءَ ولم يقلبِ الياءَ ألفًا ، وحسَّن ذلك له ضَعْفُ هذه الكلمةِ وما اعْتَوَرَهَا من الحَذْفِ والتَّغيِيرِ ، ومن قال : كَإٍ ـ بَوَزْنِ عَمٍ ـ فإنه حَذَفَ الياءَ من كَىْءٍ تخفِيفَا أيْضًا ، فإن قلتَ : إن هذا إجْحافٌ بالكلمة ؛ لأنه حَذْفٌ بعد حَذْفٍ فليس ذلك بأكثرَ من مصيرِهِم بِأَيْمُنِ اللهِ إلى مِ اللهِ (٩) ومُ اللهِ ، فإذا كُثُرَ استعمالُ الحَرْفِ حَسُنَ فيه ما لا يَحْسُنُ فى غيره من التَّغيِيرِ والحَذْفِ.
وتكون (أَيٌ) جزاءً ، وتكونُ بمَعْنَى (الذِى) ، وقولُهُ ـ عزوجل ـ : (وَكَأَيِّنْ) (١٠) (مِنْ قَرْيَةٍ)
__________________
(١) كذا فى الأصل المخطوط ، وفى اللسان (أيا) : كىِءٌ.
(٢) كذا فى الأصل المخطوط ، وفى اللسان (أيا) : كائن.
(٣) كذا فى الأصل المخطوط بالتنوين ، وفى اللسان (أيا) : كأيِّن.
(٤) فى المخطوط : كأىٍ ، والمثبت من اللسان (أيا).
(٥) كذا فى الأصل المخطوط ، وفى اللسان (أيا) : مُنُ الله.
(٦) فى المخطوط : (وكأىٍّ) ، والمثبت من اللسان (أيا) هو الموافق لخط المصحف.