لا ينطبق على أحد من الأمم التي قص القرآن قصتهم كقوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وقوم لوط وقوم شعيب وغيرهم.
ومنها : أن أصل المعنى فلما جاءتهم رسلهم بالبينات لم يفرحوا بما جاءهم من العلم فوضع موضعه فرحوا بما عندهم من الجهل ثم بدل الجهل علما تهكما فقيل : فرحوا بما عندهم من العلم ، وهذا الوجه ـ على ما فيه من التكلف والبعد من الفهم ـ يرد عليه ما يرد على الأول.
ومنها : أن ضمير ( فَرِحُوا ) للكفار وضمير « عِنْدَهُمْ » للرسل ، والمعنى فرح الكفار بما عند الرسل من العلم فرح ضحك واستهزاء وفيه أن لازمه اختلاف الضمائر المتسقة مضافا إلى أن الضحك والاستهزاء لا يسمى فرحا ولا قرينة.
ومنها : أن ضميري « فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ » للرسل ، والمعنى أن الرسل لما جاءوهم وشاهدوا ما هم فيه من الجهل والتمادي على الكفر والجحود وعلموا عاقبة أمرهم فرحوا بما عندهم من العلم الحق وشكروا الله على ذلك.
وفيه أن سياق الآيات أصدق شاهد على أنها سيقت لبيان حال الكفار بعد إتيان رسلهم بالبينات وكيف آلت إلى نزول العذاب ولم ينفعهم الإيمان بعد مشاهدة البأس؟
وأي ارتباط له بفرح الرسل بعلومهم الحقة؟ على أن لازمه أيضا اختلاف الضمائر.
قوله تعالى : « فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ » البأس شدة العذاب ، والباقي ظاهر.
قوله تعالى : « فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا » إلخ وذلك لعدم استناد الإيمان حينئذ إلى الاختيار ، وقوله : « سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ » أي سنها الله سنة ماضية في عباده أن لا تقبل توبة بعد رؤية البأس « وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ ».
( سورة حم السجدة مكية وهي أربع وخمسون آية )
( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * حم ـ ١. تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ـ ٢. كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ـ ٣. بَشِيراً وَنَذِيراً