والتنزيل والإنزال بمعنى واحد ، غير أن الغالب على باب الإفعال الدفعة وعلى باب التفعيل التدريج ، وأصل النزول في الأجسام انتقال الجسم من مكان عال إلى ما هو دونه وفي غير الأجسام بما يناسبه.
وتنزيله تعالى إخراجه الشيء من عنده إلى موطن الخلق والتقدير وقد سمى نفسه بالعلي العظيم والكبير المتعال ورفيع الدرجات والقاهر فوق عباده فيكون خروج الشيء بإيجاده من عنده إلى عالم الخلق والتقدير ـ وإن شئت فقل : إخراجه من عالم الغيب إلى عالم الشهادة ـ تنزيلا منه تعالى له.
وقد استعمل الإنزال والتنزيل في كلامه تعالى في أشياء بهذه العناية كقوله تعالى : « يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ » الأعراف : ٢٦ ، وقوله : « وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ » الزمر : ٦ ، وقوله : « وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ » الحديد : ٢٥ ، وقوله : « ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ » البقرة : ١٠٥ ، وقد أطلق القول في قوله : « وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ » الحجر : ٢١.
ومن الآيات الدالة على اعتبار هذا المعنى في خصوص القرآن قوله تعالى : « إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » الزخرف : ٤.
وقد أضيف التنزيل إلى رب العالمين للدلالة على توحيد الرب تعالى لما تكرر مرارا أن المشركين إنما كانوا يعترفون به تعالى بما أنه رب الأرباب ولا يرون أنه رب العالمين.
قوله تعالى : « نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ » المراد بالروح الأمين هو جبرئيل ملك الوحي بدليل قوله : « مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ » البقرة : ٩٧ وقد سماه في موضع آخر بروح القدس : « قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ » النحل : ١٠٢ ، وقد تقدم في تفسير سورتي النحل والإسراء ما يتعلق بمعنى الروح من الكلام.
وقد وصف الروح بالأمين للدلالة على أنه مأمون في رسالته منه تعالى إلى نبيه صلىاللهعليهوآله لا يغير شيئا من كلامه تعالى بتبديل أو تحريف بعمد أو سهو أو نسيان كما أن