قوله تعالى : « وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » إلى آخر الآية ، الظاهر ـ كما يشير إليه ما يدل من (١) الآيات على جعل الإمامة في عقب إبراهيم عليهالسلام ـ رجوع الضمير في « جَعَلْناهُمْ » إلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب.
وظاهر قوله : « أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا » أن الهداية بالأمر يجري مجرى المفسر لمعنى الإمامة ، وقد تقدم الكلام في معنى هداية الإمام بأمر الله في الكلام على قوله تعالى : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » البقرة : ١٢٤ في الجزء الأول من الكتاب.
والذي يخص المقام أن هذه الهداية المجعولة من شئون الإمامة ليست هي بمعنى إراءة الطريق لأن الله سبحانه جعل إبراهيم عليهالسلام إماما بعد ما جعله نبيا ـ كما أوضحناه في تفسير قوله : « إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً » فيما تقدم ـ ولا تنفك النبوة عن الهداية بمعنى إراءة الطريق فلا يبقى للإمامة إلا الهداية بمعنى الإيصال إلى المطلوب وهي نوع تصرف تكويني في النفوس بتسييرها في سير الكمال ونقلها من موقف معنوي إلى موقف آخر.
وإذ كانت تصرفا تكوينيا وعملا باطنيا فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الاعتباري بل ما يفسره في قوله : « إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ » يس : ٨٣ فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم.
وإذ كان الإمام يهدي بالأمر ـ والباء للسببية أو الآلة فهو متلبس به أولا ومنه ينتشر في الناس على اختلاف مقاماتهم فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في إعطاء الفيوضات الباطنية وأخذها كما أن النبي رابط بين الناس وبين ربهم في أخذ الفيوضات الظاهرية وهي الشرائع الإلهية تنزل بالوحي على النبي وتنتشر منه وبتوسطه إلى الناس وفيهم ، والإمام دليل هاد للنفوس إلى مقاماتها كما أن النبي دليل يهدي الناس إلى الاعتقادات الحقة والأعمال الصالحة ، وربما تجتمع النبوة والإمامة كما في إبراهيم وابنيه.
__________________
(١) كقوله تعالى : « وجعلها كلمة باقية في عقبه » الزخرف : ٢٨ وغيره.