أن المتصف بالسواد والبياض الجسم الذي يقوم به هذان اللونان دون الذي
أوجده.
وقد استوفينا
الكلام في هذا البحث في تفسير قوله : ( وَما يُضِلُّ بِهِ
إِلَّا الْفاسِقِينَ ) البقرة : ٢٦ الجزء الأول من الكتاب.
قوله تعالى : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ
هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) قال في المفردات : صفح
الشيء عرضه وجانبه كصفحة
الوجه وصفحة السيف وصفحة الحجر والصفح ترك التثريب وهو أبلغ من العفو ولذلك قال : ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ
بِأَمْرِهِ ) وقد يعفوا الإنسان ولا يصفح قال تعالى : ( فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ ) ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ ) ( أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ
الذِّكْرَ صَفْحاً ).
وصفحت عنه
أوليته صفحة جميلة معرضا عن ذنبه أو لقيت صفحته متجافيا عنه أو تجاوزت الصفحة التي
أثبت فيها ذنبه من الكتاب إلى غيرها من قولك تصفحت الكتاب ، وقوله : ( إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ
الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) فأمر له عليهالسلام أن يخفف كفر من كفر كما قال : ( وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي
ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ) والمصافحة الإفضاء بصفحة اليد. انتهى.
وسيأتي ما في
الرواية من تفسير علي عليهالسلام الصفح بالعفو من غير عتاب.
وقوله : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ) تفريع على سابقه أي إذا كانت الخلقة بالحق وهناك يوم فيه يحاسبون ويجازون
لا ريب فيه فلا تشغل نفسك بما ترى منهم من التكذيب والاستهزاء واعف عنهم من غير أن
تقع فيهم بعتاب أو مناقشة وجدال فإن ربك الذي خلقك وخلقهم هو عليم بحالك وحالهم
ووراءهم يوم لا يفوتونه.
ومن هنا يظهر
أن قوله : ( إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ) تعليل لقوله : ( فَاصْفَحِ الصَّفْحَ
الْجَمِيلَ ).
وهذه الآيات
الحافة لقوله : ( فَاصْدَعْ بِما
تُؤْمَرُ ) تسلية للنبي صلىاللهعليهوآله وتطييب لنفسه ليأخذ قوله : ( فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ) موقعه فقد عرفت في أول السورة أن الغرض الأصيل منها هو
الأمر بإعلان الدعوة وعرفت أيضا بالتدبر في الآيات السابقة أنها مسرودة ليتخلص بها
إلى تسليته صلىاللهعليهوآله عما لقي من قومه من الإيذاء والإهانة والاستهزاء ويتخلص
من ذلك إلى الأمر المطلوب.