المعلوم أن قوله : ( فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا ) الخ وقوله : ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا ) مبدوآن بأما التفصيلية مسوقان لتفصيل ما أجمل في قوله : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) ولازم ذلك كون المراد بالذين شقوا جميع أهل النار لا طائفة منهم خاصة ، والمراد بالذين سعدوا جميع أصحاب الجنة لا خصوص من أخرج من النار وأدخل الجنة.
اللهم إلّا أن يقال المراد بقوله : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) وصف طائفة خاصة بأعيانهم ، وذلك أن بعض أهل الجمع شقي وسعيد معاً ، وهم الذين أدخلوا النار واستقروا فيها خالدين مادامت السموات والأرض إلّا ما شاء ربك أن يخرجهم منها ويدخلهم الجنة ويسعدهم بها فيخلدوا فيها إلّا مقداراً من الزمان كانوا فيه أشقياء ساكنين في النار قبل أن يدخلوا الجنة.
لكن ينتقل ما قدمناه من الاشكال ، وهو أن السياق الظاهر في وصف أهل الجمع عامة لا يساعد على إرادة طائفة خاصة منهم. ويمكن أن يقرر هذا الوجه على وجه التعميم بأن يقال : المراد بقوله : ( فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) تقسيم عامة أهل الجمع إلى الشقي والسعيد ، والمراد بقوله : ( الَّذِينَ شَقُوا ) جميع أهل النار ، وبقوله : ( الَّذِينَ سُعِدُوا ) جميع أصحاب الجنة ، ويكون المراد بالاستثناء في الموضعين استثناء حال الفساق من أهل التوحيد الذين يخرجهم الله تعالى من النار ويدخلهم الجنة ، وحينئذٍ يسلم من جل ما كان يرد على الوجه السابق من الإشكال. ١
وهذا المقصود من قول العلامة الطبرسي حيث قال : ويجوز أن يريد بالذين شقوا جميع الداخلين إلى جهنم ثم استثنى بقوله : ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) أهل الطاعات منهم ممن استحق الثواب ولابد أن يوصل إليه ، وتقديره ( إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ) أن يخرجه بتوحيده من النار ويدخله الجنة. وأما في أهل الجنة
________________
١. المصدر السابق ، ص ٣١ ، ٣٢.