القيامة ، ويؤيد هذا الرأي ما ذهب إليه الزمخشري حيث قال : ولهم نوع من العذاب سوى الصلي بالنار مقيم دائم كعذاب النار. ١
وهناك وجه آخر في تفسير هذه الآية ذكره بعضهم ، قال الزمخشري : ويجوز أن يريد : ولهم عذاب مقيم معهم في العاجل لاينفكون عنه ، وهو ما يقاسونه من تعب النفاق والظاهر المخالف للباطن خوفاً من المسلمين وما يحذرونه أبداً من الفضيحة ونزول العذاب إن اطّلع على أسرارهم. ٢
وقد ذكر الفخر الرازي هذا الرأي كوجه ثان لتفسير هذه الآية ، ٣ وعموم المفسرين رجحوا الوجه الأول. ٤ وذهب مصنف المنار إلى أنه لا مانع من شموله لما في الدنيا والآخرة ، ولكنه في عذاب الآخرة المعنوي أظهر وأعم وأشمل. ٥
وبما تقدم يتضح بان معنى الآية : وعد الله المنافقين والكفار بأنهم سيدخلون جهنم ويخلدون فيها إلى الأبد ، وهذه العقوبة كافية لهم على كفرهم ونفاقهم لا يتجاوز فيها إلى غيرها من العقوبات ، وأبعدهم الله من رحمته وجنته ، ولهم مع ذلك ـ أي بالاضافة إلى الخلود في النار ـ عذاب دائم مقيم ولعله إشارة إلى دفع توهم كون الخلود في النار لا يستلزم الخلود في العذاب ، فأضاف سبحانه العذاب المقيم إلى الخلود في النار ، ففي هذه الآية من الدلالة على الخلود الأبدي والدائم في عذاب جهنم ما لا يخفى.
٢. قوله تعالى : ( وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
________________
١. تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ٢٨٧.
٢. المصدر السابق ، ج ٢ ، ص ٢٨٨.
٣. راجع : تفسير الكبير ، ج ١٦ ، ص ١٢٨.
٤. راجع : تفسير المنار ، ج ١٠ ص ٥٣٦ ؛ تفسير الكشاف ، ج ٢ ، ص ٢٨٧ ؛ تفسير التبيان ، ج ٥ ص ٢٥٤ ؛ مجمع البيان ، ج ٦ ، ص ٤٨ ؛ تفسير الميزان ، ج ٩ ، ص ٣٣٦.
٥. راجع : تفسير المنار ، ج ١٠ ص ٥٣٦.