واجتماعهما أحسن وسيلة يستعان بها على النوائب والمكاره فالصبر يحفظ النفس عن القلق والجزع والانهزام ، والصلاة توجهها إلى ناحية الرب تعالى فتنسى ما تلقاه من المكاره ، وقد تقدم بيان في ذلك في تفسير الآية ٤٥ من سورة البقرة في الجزء الأول من الكتاب.
وإطلاق الأمر بالصبر يعطي أن المراد به الأعم من الصبر على العبادة والصبر عن المعصية والصبر عند النائبة ، وعلى هذا يكون أمرا بالصبر على جميع ما تقدم من الأوامر والنواهي أعني قوله : « فَاسْتَقِمْ » « وَلا تَطْغَوْا » « وَلا تَرْكَنُوا » « وَأَقِمِ الصَّلاةَ ».
لكن أفراد الأمر وتخصيصه بالنبي صلىاللهعليهوآله يفيد أنه صبر في أمر يختص به وإلا قيل : و « اصبروا » جريا على السياق ، وهذا يؤيد قول من قال : إن المراد اصبر على أذى قومك في طريق دعوتك إلى الله سبحانه وظلم الظالمين منهم ، وأما قوله : « وَأَقِمِ الصَّلاةَ » فإنه ليس أمرا بما يخصه صلىاللهعليهوآله من الصلاة بل أمر بإقامته الصلاة بمن تبعه من المؤمنين جماعة فهو أمر لهم جميعا بالصلاة فافهم ذلك.
وقوله : « فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ » تعليل للأمر بالصبر.
قوله تعالى : « فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ » إلخ لو لا بمعنى هلا وإلا يفيد التعجيب والتوبيخ ، والمعنى هلا كان من القرون التي كانت من قبلكم وقد أفنيناها بالعذاب والهلاك أولوا بقية أي قوم باقون ينهون عن الفساد في الأرض ليصلحوا بذلك فيها ويحفظوا أمتهم من الاستئصال.
وقوله : « إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ » استثناء من معنى النفي في الجملة السابقة فإن المعنى : من العجب أنه لم يكن من القرون الماضية مع ما رأوا من آيات الله وشاهدوا من عذابه بقايا ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا من العذاب والهلاك منهم فإنهم كانوا ينهون عن الفساد.
وقوله : « وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ » بيان حال الباقي منهم بعد الاستثناء وهم أكثرهم وعرفهم بأنهم الذين ظلموا وبين أنهم اتبعوا لذائذ الدنيا التي أترفوا فيها وكانوا مجرمين.
وقد تحصل بهذا الاستثناء وهذا الباقي الذي ذكر حالهم تقسيم الناس إلى صنفين