وفي مجال رفض المفاهيم الخاطئة ، ورفض التعامل مع القضايا الدينية تعاملاً قشرياً وسطحياً ، يفقدها مضمونها الرسالي العميق ، نجد لسلمان رحمهالله تعالى موقفاً آخر من أبي الدرداء أيضاً ..
فقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : أن هلم إلى الارض المقدسة ـ أي بلاد الشام ـ.
فكتب إليه سلمان يعلمه : أن الارض لا تقدس أحداً ، وإنما يقدس الانسان عمله (١).
وقد يعتبر الكثيرون : أن الزهد معناه هو معاناة حالة من التقشف ، ومقاساة شظف العيش ، بصورة شاقة وقاسية.
ولكن سلمان الفارسي ـ الذي أدرك علم الاول والآخر ، إنما يريد أن يربي نفسه على الزهد الواقعي ، ويفرغ قلبه عن التفكير بالدنيا بصورة حقيقية ، ولا يريد أن يدخل في صراع مع نفسه ، ولو مرة واحدة ، بل هو يريد أن يجعلها تطمئن ، لينصرف بكل عقله وفكره ، وجوارحه ، وباستمرار إلى الله سبحانه ، لا يشغله شيء عنه سبحانه.
فكان إذا أخذ عطاءه رفع منه قوته لسنته ، حتى يحضر عطاءه من قابل.
فقيل له : أنت في زهدك! تصنع هذا!! وأنت لا تدري لعلك تموت اليوم ، أو غداً؟! ..
__________________
ج ٢ ص ٦٠/٦١ والمحجة البيضاء ج ٢ ص ٣٧٧/٣٧٨ وفي هامش عن صحيح البخاري ج ٢ ص ٦٣.
(١) تهذيب تاريخ دمشق ج ٦ ص ٢٠٩ وراجع : المصنف لابن أبي شيبة ج ١٣ ص ٣١٨ و ٣٣١ و ٣٤٠.