الأنسب أن يقال : بما كانوا يصفون كما قال في موضع آخر : « سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ » : الأنعام : ١٣٩.
فمعنى الآية ـ والله أعلم ـ ولله جميع الأسماء التي هي أحسن فاعبدوه وتوجهوا إليه بها ، والتسمية والنداء من لواحق العبادة.
قوله تعالى : « وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ » إلى آخر الآية. اللحد والإلحاد بمعنى واحد وهو التطرف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين ، ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح الذي في الوسط فقراءة يلحدون بفتح الياء من المجرد ، ويلحدون بضم الياء من باب الإفعال بمعنى واحد ، ونقل عن بعض اللغويين : أن اللحد بمعنى الميل إلى جانب ، والإلحاد بمعنى الجدال والمماراة.
وقوله : « سَيُجْزَوْنَ » الآية بالفصل لأنه بمنزلة الجواب لسؤال مقدر كأنه لما قيل : « وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ » قيل : إلى م يصير حالهم؟ فأجيب : « سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ » وللبحث في الأسماء الحسنى بقايا ستوافيك في كلام مستقل نورده بعد الفراغ عن تفسير الآيات إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : « وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » قد مر بعض ما يتعلق به من الكلام في قوله تعالى : « وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ » : الآية ١٥٩ من السورة وتختص هذه الآية بأنها لوقوعها في سياق تقسيم الناس إلى ضال ومهتد ، وبيان أن الملاك في ذلك دعاؤه سبحانه بأحسن الأسماء اللائقة بحضرته والإلحاد في أسمائه ، تدل على أن النوع الإنساني يتضمن طائفة قليلة أو كثيرة مهتدية حقيقة إذ الكلام في الاهتداء والضلال الحقيقيين المستندين إلى صنع الله ، ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون ، والاهتداء الحقيقي لا يكون إلا عن هداية حقيقية ، وهي التي لله سبحانه ، وقد تقدم في قوله تعالى : « فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ » : الأنعام : ٨٩ ، وغيره أن الهداية الحقيقية الإلهية لا تتخلف عن مقتضاها بوجه وتوجب العصمة من الضلال ، كما أن الترديد الواقع في قوله تعالى : « أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى » : يونس : ٣٥. يدل على أن من يهدي إلى الحق يجب أن لا يكون مهتديا بغيره إلا بالله فافهم ذلك.