في غاية النضج ـ الحجامة فيها أنفع من الفصد بكثير : فإن الدم ينضج ويروق ويخرج إلى سطح الجسد الداخل ، فتخرج الحجامة ما لا يخرجه الفصد. ولذلك كانت أنفع للصبيان من الفصد ، ولمن لا يقوى على الفصد.
وقد نص الأطباء : على أن البلاد الحارة الحجامة فيها أنفع وأفضل من الفصد ، وتستحب في وسط الشهر (١) وبعد وسطه ، وبالجملة : في الربع الثالث من أرباع الشهر. لان الدم في أول الشهر لم يكن بعد قد هاج وتبيغ (٢) ، وفى آخره : يكون قد سكن. وأما في وسطه وبعيده : فيكون في نهاية التزيد.
قال صاحب القانون : « ويأمر باستعمال الحجامة لا في أول الشهر : لان الاخلاط لا تكون قد تحركت وهاجت ، ولا في آخره : لأنها تكون قد نقصت. بل في وسط الشهر : حين تكون الاخلاط هائجة بالغة في تزايدها ، لتزايد النور في جرم القمر. وقد روى عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : خير ما تداويتم به : الحجامة ، والفصد (٣). وفى حديث : خير الدواء : الحجامة والفصاد ». انتهى.
وقوله صلىاللهعليهوسلم : « خير ما تداويتم به الحجامة » ، إشارة إلى أهل الحجاز والبلاد الحارة : لان دماءهم رقيقة ، وهى أميل إلى ظاهر أبدانهم ، لجذب الحرارة الخارجة لها إلى سطح الجسد ، واجتماعها في نواحي الجلد ، ولان مسام أبدانهم واسعة ، وقواهم متخلخلة. ففي الفصد لهم خطر. والحجامة تفرق اتصالي إرادي : يتبعه استفراغ كلي من العروق ، وخاصة العروق
__________________
(١) كذا بالزاد. وفى الأصل : « وسطه ». وهو تحريف.
(٢) أي : هاج ، وكثر! وسيأتى للمصنف تفسيره بالأول!. اه ق.
(٣) الحجامات على نوعين : حجامات جافة ، وحجامات رطبة. وتختلف الرطبة عن الجافة : بالتشريط قبل وضع الحجامات لامتصاص بعض الدم من مكان المرض. وتستعمل الحجامات الجافة إلى الآن : لتخفيف الآلام في العضلات ، خصوصا عضلات الظهر ، نتيجة إصاباتها بالروماتزم. أما الحجامات الرطبة ، فتستعمل في بعض حالات هبوط القلب المصحوبة بارتشاح في الرئتين ، وتعمل على ظهر القفص الصدري.
أما الفصد ، فيستعمل الآن : في حالات هبوط القلب الشديد المصحوب بزرقة في الشفتين ، وعسر شديد في التنفس. ويعمل الفصد بواسطة إبرة واسعة القناة ، تدخل في وريد ذراع المريض. ويأخذ من ٣٠٠ سم إلى ٥٠٠ سم ٣. وهذه العملية البسيطة أنقذت حياة كثير من مرض هبوط القلب ، في الحالات الأخيرة. اه د.