دارت الرحى ، تساقط الدقيق تباعاً
فجمعته في اناء صغير ، أضافت قدحين من الماء وراحت تعجن الخليط حتى اذا تجانس غطت
الاناء وتركته ريثما يصبح خميراً.
جلست فاطمة وأشعلت النار في الموقد ، تصاعد
دخان أزرق وتوهّج جمر فسفوري الحمرة ، كانت عيدان الحطب تتكسّر ، وكانت فاطمة تصغي
مستغرقة ، سرت في أطرافها قشعريرة وتجمعت في عينها الدموع فرمقت السماء من خلالها
وقلبها ينبض أملاً بما وعد الله المؤمنين. ملأت رائحة الخبز الحارّ فضاء البيت.
عاد عليّ وقد بدا مهموماً بعض الشيء
وعندما وقعت عيناه على فاطمة شاعت الابتسامة في وجهه. لشدّ ما يحبها بقوامها
النحيل بتلك الروح التي تكاد تغادر أهاب البدن إلى حيث ترفرف الملائكة.
نظر عليّ وهو يتناول قرص الشعير إلى
يديها. كانت هناك خطوط حمراء في كفيها أدرك على الفور انّها من أثر الرحى؛ تمنّى
أن يكون بوسعه شراء خادم تعينها على تدبير المنزل ، فكّر أن يضاعف جهده في حفر
الآبار ، سيحيل المدينة الى ينابيع لكي يتسنى له جمع مبلغ يكفي لشراء جارية تعين
سيدة النساء؛ وربما حصل على غنيمة تغنيه عن كلّ ذلك ، كان عليّ يفكّر وهو يعالج
سيفه ذي الفقار.
لم تسأل فاطمة زوجها عن المناسبة في كل
هذا الاهتمام